تفسير الميزان| الطباطبائي| سورة الفاتحة


(1 - سورة الحمد وهي سبع آيات) 
بسم الله الرحمن الرحيم - 1. 
الحمد لله رب العالمين - 2. 
الرحمن الرحيم - 3. 
مالك يوم الدين - 4. 
إياك نعبد وإياك نستعين - 5.
(بيان) 
قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم 
=============================
الناس ربما يعملون عملا أو يبتدئون في عمل ويقرنونه باسم عزيز من أعزتهم أو كبير من كبرائهم، 
ليكون عملهم ذاك مباركا بذلك متشرفا، 
أو ليكون ذكرى يذكرهم به، 
ومثل ذلك موجود أيضا في باب التسمية 
فربما يسمون المولود الجديد من الانسان، 
أو شيئا مما صنعوه أو عملوه 
كدار بنوها أو مؤسسة أسسوها باسم من يحبونه أو يعظمونه، 
ليبقى الاسم ببقاء المسمى الجديد، 
ويبقى المسمى الأول نوع بقاء ببقاء الاسم 
كمن يسمي ولده باسم والده 
ليحيى بذلك ذكره فلا يزول ولا ينسى.
وقد جرى كلامه تعالى هذا المجرى، 
فابتدأ الكلام باسمه عز اسمه، 
ليكون ما يتضمنه من المعنى معلما باسمه مرتبطا به، 
وليكون أدبا يؤدب به العباد في الأعمال والافعال والأقوال، 
فيبتدئوا باسمه ويعملوا به، 
فيكون ما يعملونه معلما باسمه منعوتا بنعته تعالى 
مقصودا لأجله سبحانه 
فلا يكون العمل هالكا باطلا مبترا، 
لأنه باسم الله الذي لا سبيل للهلاك والبطلان إليه.
وذلك أن الله سبحانه يبين في مواضع من كلامه: 
أن ما ليس لوجهه الكريم هالك باطل، 
وأنه: سيقدم إلى كل عمل عملوه مما ليس لوجهه الكريم، 
فيجعله هباءا منثورا، 
ويحبط ما صنعوا 
ويبطل ما كانوا يعملون، 
وانه لا بقاء لشئ إلا وجهه الكريم 
فما عمل لوجهه الكريم 
وصنع باسمه هو الذي يبقى ولا يفنى، 
وكل أمر من الأمور انما نصيبه من البقاء بقدر ما لله فيه نصيب، 
وهذا هو الذي يفيده ما رواه الفريقان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: 
[كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر] الحديث.
والابتر هو المنقطع الآخر، 
فالأنسب ان متعلق الباء في البسملة 
ابتدئ 
بالمعنى الذي ذكرناه فقد ابتدأ بها الكلام بما انه فعل من الافعال، 
فلا محالة له وحدة، 
ووحدة الكلام بوحدة مدلوله ومعناه، 
فلا محالة له معنى ذا وحدة، 
وهو المعنى المقصود افهامه من إلقاء الكلام، والغرض المحصل منه.
وقد ذكر الله سبحانه الغرض المحصل من كلامه 
الذي هو جملة القرآن 
إذ قال تعالى:
(قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله) 
الآية 
المائدة - 16. 
إلى غير ذلك من الآيات 
التي أفاد فيها: 
ان الغاية من كتابه وكلام هداية العباد، 
فالهداية جملة هي المبتدأة باسم الله الرحمن الرحيم، 
فهو الله الذي إليه مرجع العباد، 
وهو الرحمن يبين لعباده سبيل رحمته العامة للمؤمن والكافر، 
مما فيه خيرهم في وجودهم وحياتهم، 
وهو الرحيم يبين لهم سبيل رحمته الخاصة بالمؤمنين 
وهو سعادة آخرتهم ولقاء ربهم 
وقد قال تعالى: 
(ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون). الأعراف - 156. 
فهذا بالنسبة إلى جملة القرآن.
===========================
ثم إنه سبحانه كرر ذكر السورة في كلامه كثيرا كقوله تعالى: 
(فأتوا بسورة مثله) 
يونس - 38. 
وقوله: 
(فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) 
هود - 13. 
وقوله تعالى: 
(وإذا أنزلت سورة) 
التوبة - 86. 
وقوله: 
(سورة أنزلناها وفرضناها) 
النور - 1. 
فبان لنا من ذلك: 
أن لكل طائفة من هذه الطوائف من كلامه 
(التي فصلها قطعا قطعا، وسمى كل قطعة سورة) 
نوعا من وحدة التأليف والتمام، 
لا يوجد بين أبعاض من سورة 
ولا بين سورة وسورة، 
ومن هنا نعلم: 
أن الأغراض والمقاصد المحصلة من السور مختلفة، 
وأن كل واحدة منها مسوقة لبيان معنى خاص 
ولغرض محصل لا تتم السورة إلا بتمامه، 
وعلي هذا فالبسملة في مبتدإ كل سورة راجعة إلى الغرض الخاص من تلك السورة.
فالبسملة في سورة الحمد راجعة إلى غرض السورة 
والمعنى المحصل منه، 
والغرض الذي يدل عليه سرد الكلام في هذه السورة هو 
حمد الله بإظهار العبودية له سبحانه بالافصاح
عن العبادة والاستعانة وسؤال الهداية، 
فهو كلام يتكلم به الله سبحانه نيابة عن العبد، ليكون متأدبا في مقام اظهار العبودية بما أدبه الله به.
وإظهار العبودية من العبد هو العمل الذي يتلبس به العبد، 
والامر ذو البال الذي يقدم عليه، 
فالابتداء باسم الله سبحانه الرحمن الرحيم راجع إليه، 
فالمعنى باسمك أظهر لك العبودية.
فمتعلق الباء في بسملة الحمد الابتداء 
ويراد به تتميم الاخلاص في مقام العبودية بالتخاطب. 
وربما يقال انه الاستعانة 
ولا بأس به 
ولكن الابتداء انسب 
لاشتمال السورة على الاستعانة صريحا 
في قوله تعالى: (وإياك نستعين).
===========================
وأما الاسم، فهو اللفظ الدال على المسمى 
مشتق من السمة بمعنى العلامة 
أو من السمو بمعنى الرفعة 
وكيف كان فالذي يعرفه منه اللغة والعرف 
هو اللفظ الدال 
ويستلزم ذلك أن يكون غير المسمى، 
وأما الاسلام بمعنى الذات مأخوذا بوصف من أوصافه فهو من الأعيان لا من الألفاظ 
وهو مسمى الاسم بالمعنى الأول 
كما أن لفظ العالم 
(من أسماء الله تعالى) 
اسم يدل على مسماه 
وهو الذات مأخوذة بوصف العلم 
وهو بعينه اسم بالنسبة إلى الذات 
الذي لا خبر عنه الا بوصف من أوصافه ونعت من نعوته والسبب في ذلك 
أنهم وجدوا لفظ الاسم موضوعا للدال على المسمى من الألفاظ، 
ثم وجدوا أن الأوصاف المأخوذة على وجه تحكي عن الذات وتدل عليه حالها حال اللفظ المسمى بالاسم في أنها تدل على ذوات خارجية، 
فسموا هذه الأوصاف الدالة على الذوات أيضا أسماء فأنتج ذلك 
أن الاسم كما يكون أمرا لفظيا 
كذلك يكون أمرا عينيا، 
ثم وجدوا ان الدال على الذات القريب منه 
هو الاسم بالمعنى الثاني 
المأخوذ بالتحليل، 
وان الاسم بالمعنى الأول إنما يدل على الذات بواسطته، 
ولذلك سموا الذي بالمعنى الثاني اسما، 
والذي بالمعنى الأول اسم الاسم، 
ولكن هذا كله أمر أدى إليه التحليل النظري 
ولا ينبغي أن يحمل على اللغة، 
فالاسم بحسب اللغة ما ذكرناه.
============================
وقد شاع النزاع بين المتكلمين في الصدر الأول من الاسلام في 
أن الاسم عين المسمى أو غيره 
وطالت المشاجرات فيه، 
ولكن هذا النوع من المسائل قد اتضحت اليوم اتضاحا يبلغ إلى حد الضرورة 
ولا يجوز الاشتغال بها بذكر ما قيل وما يقال فيها
والعناية بابطال ما هو الباطل 
وإحقاق ما هو الحق فيها، 
فالصفح عن ذلك أولى.
==================================
وأما لفظ الجلالة 
فالله أصله الاله، 
حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال، 
وإله من أله الرجل يأله بمعني عبد، 
أو من اله الرجل أو وله الرجل أي تحير، 
فهو فعال بكسر الفاء بمعنى المفعول 
ككتاب بمعنى المكتوب 
سمي إلها لأنه معبود 
أو لأنه مما تحيرت في ذاته العقول، 
والظاهر أنه علم بالغلبة، 
وقد كان مستعملا دائرا في الألسن 
قبل نزول القرآن 
يعرفه العربي الجاهلي كما يشعر به قوله تعالى: (ولئن سئلتهم من خلقهم ليقولن الله) 
الزخرف - 87، 
وقوله تعالى: 
(فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا) 
الانعام - 136.
ومما يدل على كونه علما انه يوصف بجميع الأسماء الحسنى وسائر أفعاله المأخوذة من تلك الأسماء من غير عكس، 
فيقال: الله الرحمن الرحيم 
ويقال: رحم الله وعلم الله، ورزق الله، 
ولا يقع لفظ الجلالة صفة لشئ منها 
ولا يؤخذ منه ما يوصف به شئ منها.
=================================
ولما كان وجوده سبحانه، 
وهو إله كل شئ 
يهدي إلى اتصافه بجميع الصفات الكمالية 
كانت الجميع مدلولا عليها به بالالتزام، 
وصح ما قيل :
إن لفظ الجلالة اسم للذات 
الواجب الوجود 
المستجمع لجميع صفات الكمال 
وإلا فهو علم بالغلبة لم تعمل فيه عناية غير ما يدل عليه مادة إله.
==========================
واما الوصفان: 
الرحمن الرحيم، 
فهما من الرحمة، 
وهي وصف انفعالي وتأثر خاص يلم بالقلب عند مشاهدة من يفقد أو يحتاج إلى ما يتم به أمره فيبعث الانسان إلى تتميم نقصه ورفع حاجته، 
إلا ان هذا المعنى يرجع بحسب التحليل 
إلى الاعطاء والإفاضة لرفع الحاجة 
وبهذا المعنى يتصف سبحانه بالرحمة.
والرحمن، 
فعلان صيغة مبالغة 
تدل على الكثرة، 
والرحيم فعيل صفة مشبهة 
تدل على الثبات والبقاء 
ولذلك ناسب الرحمن ان يدل على الرحمة الكثيرة المفاضة على المؤمن والكافر 
وهي الرحمة العامة، 
وعلى هذا المعنى يستعمل كثيرا في القرآن، 
قال تعالى:
(الرحمن على العرش استوى) 
طه - 5. 
وقال: 
(قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) مريم - 75. 
إلى غير ذلك، 
ولذلك أيضا ناسب الرحيم ان يدل على النعمة الدائمة والرحمة الثابتة الباقية التي تفاض على المؤمن كما قال تعالى: 
(وكان بالمؤمنين رحيما) 
الأحزاب - 43. 
وقال تعالى: 
(إنه بهم رؤوف رحيم) 
التوبة - 117. 
إلى غير ذلك، 
ولذلك قيل: 
ان الرحمن عام للمؤمن والكافر والرحيم خاص بالمؤمن.
========================
وقوله تعالى: الحمد لله، 
الحمد على ما قيل، 
هو الثناء على الجميل الاختياري 
والمدح أعم منه، 
يقال: حمدت فلانا أو مدحته لكرمه، 
ويقال: مدحت اللؤلؤ على صفائه 
ولا يقال: حمدته على صفائه، 
واللام فيه للجنس أو الاستغراق 
والمآل هاهنا واحد.
وذلك أن الله سبحانه يقول: 
(ذلكم الله ربكم خالق كل شئ) 
غافر - 62. 
فأفاد أن كل ما هو شئ فهو مخلوق لله سبحانه، 
وقال: 
(الذي أحسن كل شئ خلقه)  
السجدة - 7 
فأثبت الحسن لكل شئ مخلوق من جهة أنه مخلوق له منسوب إليه، 
فالحسن يدور مدار الخلق وبالعكس، 
فلا خلق إلا وهو حسن جميل بإحسانه 
ولا حسن إلا وهو مخلوق له منسوب إليه، 
وقد قال تعالى: 
(هو الله الواحد القهار) 
الزمر - 4. 
وقال: 
(وعنت الوجوه للحي القيوم) 
طه - 111. 
فأنبأ انه لم يخلق ما خلق بقهر قاهر 
ولا يفعل ما فعل بإجبار من مجبر 
بل خلقه عن علم واختيار 
فما من شئ إلا وهو فعل جميل اختياري له 
فهذا من جهة الفعل، 
وأما من جهة الاسم فقد قال تعالى: 
(الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى) 
طه - 8. 
وقال تعالى: 
(ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه) 
الأعراف - 180. 
فهو تعالى جميل في أسمائه 
وجميل في أفعاله، 
وكل جميل منه.
فقد بان انه تعالى 
محمود على جميل أسمائه 
ومحمود على جميل أفعاله، 
وأنه ما من حمد يحمده حامد لأمر محمود إلا كان لله سبحانه حقيقة 
لان الجميل الذي يتعلق به الحمد منه سبحانه، 
فلله سبحانه جنس الحمد 
وله سبحانه كل حمد.
===============================
ثم إن الظاهر من السياق 
وبقرينة الالتفات الذي في قوله: 
(إياك نعبد) الآية 
أن السورة من كلام العبد، 
وانه سبحانه في هذه السورة يلقن عبده حمد نفسه وما ينبغي ان يتأدب به العبد عند نصب نفسه في مقام العبودية، 
وهو الذي يؤيده قوله:
(الحمد لله)
وذلك أن الحمد توصيف، 
وقد نزه سبحانه نفسه عن وصف الواصفين من عباده حيث قال: 
(سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين) 
الصافات - 160. 
والكلام مطلق غير مقيد 
ولم يرد في كلامه تعالى ما يؤذن بحكاية الحمد عن غيره إلا ما حكاه عن عدة من أنبيائه المخلصين، قال تعالى 
في خطابه لنوح عليه السلام
(فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين) المؤمنون - 28. 
وقال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام:
(الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق) إبراهيم - 39. 
وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بضعة مواضع من كلامه: 
(وقل الحمد لله) 
النمل - 93. 
وقال تعالى حكاية عن داود وسليمان عليه السلام: (وقالا الحمد لله) 
النمل - 15. 
وإلا ما حكاه عن أهل الجنة وهم المطهرون من غل الصدور ولغو القول والتأثيم كقوله: 
(وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) 
يونس - 10.
وأما غير هذه الموارد فهو تعالى وإن حكى الحمد عن كثير من خلقه بل عن جميعهم، 
كقوله تعالى: 
(والملائكة يسبحون بحمد ربهم) 
الشورى - 5. 
وقوله: 
(ويسبح الرعد بحمده) 
الرعد - 13. 
وقوله: 
(وإن من شئ إلا يسبح بحمده) 
الاسراء - 44.
إلا أنه سبحانه شفع الحمد في جميعها بالتسبيح 
بل جعل التسبيح هو الأصل في الحكاية 
وجعل الحمد معه، 
وذلك أن غيره تعالى لا يحيط بجمال أفعاله وكمالها كما لا يحيطون بجمال صفاته وأسمائه 
التي منها جمال الافعال، 
قال تعالى: 
(ولا يحيطون به علما) 
طه - 110 
فما وصفوه به فقد أحاطوا به 
وصار محدودا بحدودهم 
مقدرا بقدر نيلهم منه، 
فلا يستقيم ما أثنوا به من ثناء 
إلا من بعد أن ينزهوه ويسبحوه عن ما حدوه وقدروه بافهامهم، 
قال تعالى: 
(ان الله يعلم وأنتم لا تعلمون) 
النحل - 74، 
وأما المخلصون من عباده تعالى فقد جعل حمدهم حمده 
ووصفهم وصفه 
حيث جعلهم مخلصين له، 
فقد بان ان الذي يقتضيه أدب العبودية 
ان يحمد العبد ربه بما حمد به نفسه 
ولا يتعدى عنه، 
كما في الحديث الذي رواه الفريقان 
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: 
(لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) الحديث 
فقوله في أول هذه السورة: 
الحمد لله، 
تأديب بأدب عبودي، 
ما كان للعبد ان يقوله لولا أن الله تعالى قاله نيابة وتعليما لما ينبغي الثناء به.
===============================

وقوله تعالى: 
رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين 
(وقرأ الأكثر ملك يوم الدين) 
فالرب هو المالك الذي يدبر أمر مملوكه، 
ففيه معنى الملك، 
ومعنى الملك 
(الذي عندنا في ظرف الاجتماع) 
هو نوع خاص من الاختصاص 
وهو نوع قيام شئ بشئ 
يوجب صحة التصرفات فيه، 
فقولنا العين الفلانية ملكنا معناه: 
ان لها نوعا من القيام والاختصاص بنا يصح معه تصرفاتنا فيها 
ولولا ذلك لم تصح تلك التصرفات 
وهذا في الاجتماع معنى وضعي اعتباري غير حقيقي وهو مأخوذ من معنى آخر حقيقي 
نسميه أيضا ملكا، 
وهو نحو قيام اجزاء وجودنا وقوانا بنا 
فان لنا بصرا وسمعا ويدا ورجلا، 
ومعنى هذا الملك انها في وجودها قائمة بوجودنا غير مستقلة دوننا 
بل مستقلة باستقلالنا 
ولنا ان نتصرف فيها كيف شئنا 
وهذا هو الملك الحقيقي. 
===========================
والذي يمكن انتسابه إليه تعالى بحسب الحقيقة هو حقيقة الملك دون الملك الاعتباري 
#gehad كأنه يشم من هذا الكلام اعتقاد المؤلف بنظرية وحدة الوجود العرفانية #
الذي يبطل ببطلان الاعتبار والوضع، 
ومن المعلوم ان الملك الحقيقي لا ينفك عن التدبير
فإن الشئ إذا افتقر في وجوده إلى شئ فلم يستقل عنه في وجوده 
لم يستقل عنه في آثار وجوده، 
فهو تعالى رب لما سواه 
لأن الرب هو المالك المدبر 
وهو تعالى كذلك.
وأما العالمين: 
فهو جمع العالم بفتح اللام 
بمعنى ما يعلم به كالقالب والخاتم والطابع بمعنى ما يقلب به وما يختم به وما يطبع به 
يطلق على جميع الموجودات 
وعلى كل نوع مؤلف الافراد والاجزاء منها 
كعالم الجماد 
وعالم النبات 
وعالم الحيوان 
وعالم الانسان 
وعلى كل صنف مجتمع الافراد أيضا 
كعالم العرب 
وعالم العجم 
وهذا المعنى هو الأنسب لما يؤول إليه عد هذه الأسماء الحسنى حتى ينتهي إلى قوله (مالك يوم الدين
على أن يكون الدين 
وهو الجزاء يوم القيمة 
مختصا بالانسان أو الإنس والجن 
فيكون المراد بالعالمين عوالم الإنس والجن وجماعاتهم 
ويؤيده ورود هذا اللفظ بهذه العناية في القرآن كقوله تعالى 
(واصطفاك على نساء العالمين) 
آل عمران - 42. 
وقوله تعالى: 
(ليكون للعالمين نذيرا) 
فرقان - 1، 
وقوله تعالى: 
(أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين) 
الأعراف - 80. 
==============================
وأما (مالك يوم الدين )
فقد عرفت معنى المالك 
وهو المأخوذ من الملك بكسر الميم، 
واما الملك وهو مأخوذ من الملك بضم الميم، 
فهو الذي يملك النظام القومي وتدبيرهم دون العين، 
وبعبارة أخرى يملك الامر والحكم فيهم.
وقد ذكر لكل من القرائتين، ملك ومالك، 
وجوه من التأييد غير أن المعنيين من السلطنة ثابتان في حقه تعالى، 
والذي تعرفه اللغة والعرف ان المُلك بضم الميم 
هو المنسوب إلى الزمان 
يقال: ملك العصر الفلاني، 
ولا يقال مالك العصر الفلاني الا بعناية بعيدة، 
وقد قال تعالى: ملك يوم الدين 
فنسبه إلى اليوم، 
وقال أيضا: (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) 
غافر - 16.
==========================
(بحث روائي) 
في العيون والمعاني 
عن الرضا عليه السلام 
في معنى قوله: بسم الله 
قال عليه السلام: يعني أسم نفسي بسمة من سمات الله وهى العبادة، 
قيل له: ما السمة؟ 
قال العلامة.
أقول وهذا المعنى كالمتولد من المعنى الذي أشرنا إليه في كون الباء للابتداء 
فان العبد إذا وسم عبادته باسم الله لزم ذلك أن يسم نفسه التي ينسب العبادة إليها بسمة من سماته، وفي التهذيب 
عن الصادق عليه السلام 
وفي العيون وتفسير العياشي 
عن الرضا عليه السلام
إنها أقرب إلى اسم الله الأعظم من ناظر العين إلى بياضها.
أقول: 
وسيجئ معنى الرواية في الكلام على الاسم الأعظم.
وفي العيون 
عن أمير المؤمنين عليه السلام
انها من الفاتحة 
وان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرؤها ويعدها آية منها، 
ويقول فاتحة الكتاب هي السبع المثاني.
أقول: 
وروي من طرق أهل السنة والجماعة نظير هذا المعنى فعن الدارقطني 
عن أبي هريرة قال: 
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
إذا قرأتم الحمد فاقرأوا 
بسم الله الرحمن الرحيم، 
فإنها أم القرآن والسبع المثاني، 
وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها.
وفي الخصال 
عن الصادق عليه السلام قال: 
ما لهم؟ قاتلهم الله 
عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها.
وعن الباقر عليه السلام
سرقوا أكرم آية في كتاب الله، 
بسم الله الرحمن الرحيم، 
وينبغي الاتيان به عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير ليبارك فيه.
أقول: 
والروايات عن أئمة أهل البيت في هذا المعنى كثيرة، 
وهي جميعا تدل على أن البسملة جزء من كل سورة إلا سورة البراءة، 
وفي روايات أهل السنة والجماعة ما يدل على ذلك.
ففي صحيح مسلم 
عن أنس :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أنزل علي آنفا سورة فقرأ: 
بسم الله الرحمن الرحيم.
وعن أبي داود عن ابن عباس 
(وقد صححوا سندها) قال: 
ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يعرف فصل السورة، 
(وفي رواية انقضاء السورة) 
حتى ينزل عليه، 
بسم الله الرحمن الرحيم.
أقول: 
وروي هذا المعنى من طرق الخاصة عن الباقر عليه السلام.
وفي الكافي والتوحيد والمعاني وتفسير العياشي 
عن الصادق عليه السلام في حديث: 
والله إله كل شئ، 
الرحمن بجميع خلقه، 
الرحيم بالمؤمنين خاصة، 
وروي عن الصادق عليه السلام
الرحمن اسم خاص بصفة عامة 
والرحيم اسم عام بصفة خاصة.
أقول: 
قد ظهر مما مر وجه عموم الرحمن للمؤمن والكافر واختصاص الرحيم بالمؤمن، 
وأما كون الرحمن اسما خاصا بصفة عامة والرحيم اسما عاما بصفة خاصة 
فكأنه يريد به أن الرحمن خاص بالدنيا ويعم الكافر والمؤمن 
والرحيم عام للدنيا والآخرة ويخص المؤمنين، وبعبارة أخرى: 
الرحمن يختص بالإفاضة التكوينية 
التي يعم المؤمن والكافر، 
والرحيم يعم التكوين والتشريع 
الذي بابه باب الهداية والسعادة، 
ويختص بالمؤمنين 
لان الثبات والبقاء يختص بالنعم التي تفاض عليهم والعاقبة للتقوي.
وفي كشف الغمة 
عن الصادق عليه السلام قال: 
فقد لأبي عليه السلام بغلة 
فقال لئن ردها الله علي لأحمدنه بمحامد يرضاها 
فما لبث أن أتي بها بسرجها ولجامها 
فلما استوى وضم إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء وقال: 
الحمد لله 
ولم يزد، 
ثم قال: 
ما تركت ولا أبقيت شيئا جمعت أنواع المحامد لله عز وجل، 
فما من حمد الا وهو داخل فيها.
قلت: 
وفي العيون عن علي عليه السلام
انه سئل عن تفسيرها فقال: 
هو ان الله عرف عباده بعض نعمه عليهم جملا 
إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل لأنها أكثر من أن تحصى أو تعرف، 
فقال: قولوا الحمد لله على ما أنعم به علينا.
أقول: 
يشير عليه السلام إلى ما مر من أن الحمد من العبد وانما ذكره الله بالنيابة تأديبا وتعليما.
(بحث فلسفي) 
البراهين العقلية ناهضة على أن استقلال المعلول وكل شأن من شؤونه انما هو بالعلة، وان كل ما له من كمال فهو من اظلال وجود علته، فلو كان للحسن والجمال حقيقة في الوجود فكماله واستقلاله للواجب تعالى لأنه العلة التي ينتهي إليه جميع العلل، والثناء والحمد هو اظهار موجود ما بوجوده كمال موجود آخر وهو لا محالة علته، وإذا كان كل كمال ينتهي إليه تعالى فحقيقة كل ثناء وحمد تعود وتنتهى إليه تعالى، فالحمد لله رب العالمين.
===========================
قوله تعالى: 
(إياك نعبد وإياك نستعين) الآية، 
العبد هو المملوك من الانسان أو من كل ذي شعور بتجريد المعنى 
كما يعطيه قوله تعالى: 
( إن كل من في السماوات والأرض إلا اتي الرحمن عبدا) 
مريم - 93. 
والعبادة مأخوذة منه 
وربما تفرقت اشتقاقاتها أو المعاني المستعملة هي فيها لاختلاف الموارد، 
وما ذكره الجوهري في الصحاح 
أن أصل العبودية الخضوع 
فهو من باب الاخذ بلازم المعنى 
وإلا فالخضوع متعد باللام 
والعبادة متعدية بنفسها.
وبالجملة 
فكأن العبادة هي نصب العبد نفسه في مقام المملوكية لربه 
ولذلك كانت العبادة منافية للاستكبار وغير منافية للاشتراك 
فمن الجائزان يشترك أزيد من الواحد في ملك رقبة أو في عبادة عبد، 
قال تعالى: 
(إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) 
غافر - 60 
وقال تعالى: 
(ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) 
الكهف - 110
فعد الاشراك ممكنا ولذلك نهى عنه، 
والنهى لا يمكن الا عن ممكن مقدور 
بخلاف الاستكبار عن العبادة فإنه لا يجامعها.
والعبودية انما تستقيم بين العبيد ومواليهم فيما يملكه الموالي منهم، 
واما ما لا يتعلق به الملك 
من شؤون وجود العبد 
ككونه ابن فلان 
أو ذا طول في قامته 
فلا يتعلق به عبادة ولا عبودية، 
لكن الله سبحانه في ملكه لعباده على خلاف هذا النعت فلا ملكه يشوبه ملك ممن سواه 
ولا ان العبد يتبعض في نسبته إليه تعالى 
فيكون شئ منه مملوكا وشئ آخر غير مملوك، 
ولا تصرف من التصرفات فيه جائز 
وتصرف آخر غير جائز 
كما أن العبيد فيما بيننا 
شئ منهم مملوك 
وهو أفعالهم الاختيارية 
وشئ غير مملوك 
وهو الأوصاف الاضطرارية، 
وبعض التصرفات فيهم جائز 
كالاستفادة من فعلهم 
وبعضها غير جائز كقتلهم من غير جرم مثلا، 
فهو تعالى مالك على الاطلاق 
من غير شرط ولا قيد 
وغيره مملوك على الاطلاق 
من غير شرط ولا قيد 
فهناك حصر من جهتين، 
الرب مقصور في المالكية، 
والعبد مقصور في العبودية، 
وهذه هي التي يدل عليه قوله: 
(إياك نعبد) 
حيث قدم المفعول واطلقت العبادة.
ثم إن الملك حيث كان متقوم الوجود بمالكه كما 
عرفت مما مر، 
فلا يكون حاجبا عن مالكه ولا يحجب عنه، 
فإنك إذا نظرت إلى دار زيد 
فان نظرت إليها من جهة انها دار 
أمكنك ان تغفل عن زيد، 
وان نظرت إليها بما انها ملك زيد لم يمكنك الغفلة عن مالكها وهو زيد.
ولكنك عرفت ان ما سواه تعالى ليس له الا المملوكية فقط 
وهذه حقيقته فشئ منه في الحقيقة لا يحجب عنه تعالى، 
ولا النظر إليه يجامع الغفلة عنه تعالى، 
فله تعالى الحضور المطلق، 
قال سبحانه: 
(أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد ألا انهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شئ محيط) 
حم السجدة - 54 
وإذا كان كذلك فحق عبادته تعالى ان يكون عن حضور من الجانبين.
اما من جانب الرب عز وجل، 
فأن يعبد عبادة معبود حاضر 
وهو الموجب للالتفات المأخوذ في قوله تعالى: 
(إياك نعبد) 
عن الغيبة إلى الحضور.
واما من جانب العبد، 
فأن تكون عبادته عبادة عبد حاضر 
من غير أن يغيب في عبادته 
فتكون عبادته صورة فقط من غير معنى وجسدا من غير روح، 
أو يتبعض فيشتغل بربه وبغيره، 
اما ظاهرا وباطنا كالوثنيين في عبادتهم لله ولأصنامهم معا، 
أو باطنا فقط كمن يشتغل في عبادته بغيره تعالى بنحو الغايات والاغراض، 
كأن يعبد الله وهمه في غيره، 
أو يعبد الله طمعا في جنة أو خوفا من نار 
فإن ذلك كله من الشرك في العبادة 
الذي ورد عنه النهي، 
قال تعالى: 
(فاعبد الله مخلصا له الدين) 
الزمر - 2، 
وقال تعالى: 
(ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون) 
الزمر - 3.
فالعبادة إنما تكون عبادة حقيقة، 
إذا كان على خلوص من العبد 
وهو الحضور الذي ذكرناه، 
وقد ظهر انه انما يتم إذا لم يشتغل بغيره تعالى في عمله 
فيكون قد أعطاه الشركة مع الله سبحانه في عبادته 
ولم يتعلق قلبه في عبادته 
رجاءا أو خوفا 
هو الغاية في عبادته كجنة أو نار 
فتكون عبادته له لا لوجه الله، 
ولم يشتغل بنفسه فيكون منافيا لمقام العبودية التي لا تلائم الإنّية والاستكبار، 
وكأن الاتيان بلفظ المتكلم مع الغير #gehad يعني نون المضارع في قوله نعبد ونستعين # للايماء إلى هذه النكتة 
فإن فيه هضما للنفس 
بالغاء تعينها وشخوصها وحدها 
المستلزم لنحو من الإنّية والاستقلال 
بخلاف ادخالها في الجماعة وخلطها بسواد الناس 
فإن فيه امحاء التعين واعفاء الأثر 
فيؤمن به ذلك.
وقد ظهر من ذلك كله: 
ان اظهار العبودية بقوله: 
(إياك نعبد)، 
لا يشتمل على نقص 
من حيث المعنى 
ومن حيث الاخلاص 
الا ما في قوله: 
إياك نعبد 
من نسبة العبد العبادة إلى نفسه 
المشتمل بالاستلزام على 
دعوى الاستقلال في الوجود والقدرة والإرادة 
مع أنه مملوك 
والمملوك لا يملك شيئا، 
فكأنه تدورك ذلك 
بقوله تعالى 
وإياك نستعين، 
أي انما ننسب العبادة إلى أنفسنا وندعيه لنا 
مع الاستعانة بك لا مستقلين بذلك 
مدعين ذلك دونك، 
فقوله: إياك نعبد وإياك نستعين، 
لإبداء معنى واحد 
وهو العبادة عن اخلاص، 
ويمكن ان يكون هذا هو الوجه في اتحاد الاستعانة والعبادة في السياق الخطابي 
حيث قيل إياك نعبد وإياك نستعين 
من دون ان يقال: 
إياك نعبد أعنا واهدنا الصراط المستقيم
واما تغيير السياق في قوله: 
اهدنا الصراط 
الآية. 
فسيجئ الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
فقد بان بما مر من البيان في قوله، 
إياك نعبد وإياك نستعين 
الآية، 
الوجه في الالتفات من الغيبة إلى الحضور، 
والوجه في الحصر الذي يفيده تقديم المفعول، 
والوجه في اطلاق قوله: نعبد، 
والوجه في اختيار لفظ المتكلم مع الغير، 
والوجه في تعقيب الجملة الأولى بالثانية، 
والوجه في تشريك الجملتين في السياق، 
وقد ذكر المفسرون نكات أخرى في أطراف ذلك 
من أرادها فليراجع كتبهم 
وهو الله سبحانه غريم لا يقضى دينه.
=============================
اهدنا الصراط المستقيم - 6. 
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين - 7.
بيان قوله تعالى: 
اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم الخ، 
اما الهداية 
فيظهر معناها في ذيل الكلام على الصراط 
واما الصراط 
فهو والطريق والسبيل قريب المعنى، 
وقد وصف تعالى الصراط بالاستقامة 
ثم بين انه الصراط الذي يسلكه الذين أنعم الله تعالى عليهم، 
فالصراط الذي من شأنه ذلك 
هو الذي سئل الهداية إليه 
وهو بمعنى الغاية للعبادة 
اي: ان العبد يسئل ربه ان 
تقع عبادته الخالصة في هذا الصراط.
بيان ذلك: ان الله سبحانه قرر في كلامه لنوع الانسان بل لجميع من سواه سبيلا يسلكون به إليه سبحانه فقال تعالى: (يا أيها الانسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) الانشقاق - 6 وقال تعالى: (واليه المصير) التغابن - 3، وقال: (الا إلى الله تصير الأمور) الشورى - 53، إلى غير ذلك من الآيات وهي واضحة الدلالة على أن الجميع سالكو سبيل، وانهم سائرون إلى الله سبحانه.
ثم بين: إن السبيل ليس سبيلا واحدا ذا نعت واحد بل هو منشعب إلى شعبتين منقسم إلى طريقين، فقال: ألم أعهد إليكم يا بني آدم ان لا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين وان اعبدوني هذا صراط مستقيم) يس - 61.
فهناك طريق مستقيم وطريق آخر ورائه، وقال تعالى (فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة - 186، وقال تعالى: (ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) غافر - 60، فبين تعالى: انه قريب من عباده وان الطريق الأقرب إليه تعالى طريق عبادته ودعائه، ثم قال تعالى في وصف الذين لا يؤمنون: (أولئك ينادون من مكان بعيد) السجدة - 44 فبين: ان غاية الذين لا يؤمنون في مسيرهم وسبيلهم بعيدة.
فتبين: ان السبيل إلى الله سبيلان: سبيل قريب وهو سبيل المؤمنين وسبيل
بعيد وهو سبيل غيرهم فهذا نحو اختلاف في السبيل وهناك نحو آخر من الاختلاف، قال تعالى: (ان الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء) الأعراف - 40 ولولا طروق من متطرق لم يكن للباب معنى فهناك طريق من السفل إلى العلو، وقال تعالى: (ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى) طه - 81. والهوي هو السقوط إلى أسفل، فهناك طريق آخر آخذ في السفالة والانحدار، وقال تعالى: (ومن يتبدل الكفر بالايمان فقد ضل سواء السبيل) البقرة - 108، فعرف الضلال عن سواء السبيل بالشرك لمكان قوله: فقد ضل، وعند ذلك تقسم الناس في طرقهم ثلثه اقسام: من طريقه إلى فوق وهم الذين يؤمنون بآيات الله ولا يستكبرون عن عبادته، ومن طريقه إلى أسفل، وهم المغضوب عليهم، ومن ضل الطريق وهو حيران فيه وهم الضالون، وربما اشعر بهذا التقسيم قوله تعالى: صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
والصراط المستقيم لا محالة ليس هو الطريقين الآخرين من الطرق الثلث أعني:
طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين فهو من الطريق الأول الذي هو طريق المؤمنين غير المستكبرين إلا ان قوله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) المجادلة - 11. يدل على أن نفس الطريق الأول أيضا يقع فيه انقسام.
وبيانه: ان كل ضلال فهو شرك كالعكس على ما عرفت من قوله تعالى: (ومن يتبدل الكفر بالايمان فقد ضل سواء السبيل) البقرة - 108. وفي هذا المعنى قوله تعالى (أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا) يس - 62. والقرآن يعد الشرك ظلما وبالعكس، كما يدل عليه قوله تعالى حكاية عن الشيطان لما قضي الامر: (اني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم) إبراهيم - 22. كما يعد الظلم ضلالا في قوله تعالى (الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون) الانعام - 82 وهو ظاهر من ترتيب الاهتداء والامن من الضلال أو العذاب الذي يستتبعه الضلال، على ارتفاع الظلم ولبس الايمان به، وبالجملة الضلال والشرك والظلم أمرها واحد وهي متلازمة مصداقا، وهذا هو المراد من قولنا: ان كل واحد منها معرف بالآخر أو
هو الآخر، فالمراد المصداق دون المفهوم.
إذا عرفت هذا علمت أن الصراط المستقيم الذي هو صراط غير الضالين صراط لا يقع فيه شرك ولا ظلم البتة كما لا يقع فيه ضلال البتة، لا في باطن الجنان من كفر أو خطور لا يرضى به الله سبحانه، ولا في ظاهر الجوارح والأركان من فعل معصية أو قصور في طاعة، وهذا هو حق التوحيد علما وعملا إذ لا ثالث لهما وما ذا بعد الحق الا الضلال؟
وينطبق على ذلك قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون) الانعام - 82، وفيه تثبيت للأمن في الطريق ووعد بالاهتداء التام بناءا على ما ذكروه: من كون اسم الفاعل حقيقة في الاستقبال فليفهم فهذا نعت من نعوت الصراط المستقيم.
ثم انه تعالى عرف هؤلاء المنعم عليهم الذين نسب صراط المستقيم إليهم بقوله تعالى:
(ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) النساء - 68، وقد وصف هذا الايمان والاطاعة قبل هذه الآية بقوله (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ولو انا كتبنا عليهم ان اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا) النساء - 66. فوصفهم بالثبات التام قولا وفعلا وظاهرا وباطنا على العبودية لا يشذ منهم شاذ من هذه الجهة ومع ذلك جعل هؤلاء المؤمنين تبعا لأولئك المنعم عليهم وفي صف دون صفهم لمكان مع ولمكان قوله: (وحسن أولئك رفيقا ولم يقل: فأولئك من الذين.
ونظير هذه الآية قوله تعالى: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونور هم) الحديد - 19. وهذا هو الحاق المؤمنين بالشهداء والصديقين في الآخرة، لمكان قوله: عند ربهم، وقوله: لهم اجرهم.
فاؤلئك (وهم أصحاب الصراط المستقيم) أعلى قدرا وأرفع درجة ومنزلة من هؤلاء وهم المؤمنون الذين أخلصوا قلوبهم واعمالهم من الضلال والشرك والظلم، فالتدبر
في هذه الآيات يوجب القطع بان هؤلاء المؤمنين و (شأنهم هذا الشأن) فيهم بقية بعد لو تمت فيهم كانوا من الذين أنعم الله عليهم، وارتقوا من منزلة المصاحبة معهم إلى درجة الدخول فيهم ولعلهم نوع من العلم بالله، ذكره في قوله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) المجادلة - 11. فالصراط المستقيم أصحابه منعم عليهم بنعمة هي ارفع النعم قدرا، يربو على نعمة الايمان التام، وهذا أيضا نعت من نعوت الصراط المستقيم. ثم انه تعالى على أنه كرر في كلامه ذكر الصراط والسبيل، لم ينسب لنفسه أزيد من صراط مستقيم واحد، وعد لنفسه سبلا كثيرة فقال عز من قائل: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) العنكبوت - 69. وكذا لم ينسب الصراط المستقيم إلى أحد من خلقه إلا ما في هذه الآية (صراط الذين أنعمت عليهم الآية) ولكنه نسب السبيل إلى غيره من خلقه، فقال تعالى: (قل هذه سبيلي ادعو إلى الله على بصيرة) يوسف - 108. وقال تعالى (سبيل من أناب إلي) لقمان - 15. وقال: (سبيل المؤمنين) النساء - 114. ويعلم منها: ان السبيل غير الصراط المستقيم فإنه يختلف ويتعدد ويتكثر باختلاف المتعبدين السالكين سبيل العبادة بخلاف الصراط المستقيم كما) يشير إليه قوله تعالى: (قد جائكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بأذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) المائدة - 16، فعد السبل كثيرة والصراط واحدا وهذا الصراط المستقيم اما هي السبل الكثيرة واما أنها تؤدي إليه باتصال بعضها إلى بعض واتحادها فيها.
وأيضا قال تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) يوسف - 106.
فبين ان من الشرك (وهو ضلال) ما يجتمع مع الايمان وهو سبيل، ومنه يعلم أن السبيل يجامع الشرك، لكن الصراط المستقيم لا يجامع الضلال كما قال: ولا الضالين.
والتدبر في هذه الآيات يعطى ان كل واحد من هذه السبل يجامع شيئا من النقص أو الامتياز، بخلاف الصراط المستقيم، وان كلا منها هو الصراط المستقيم لكنه
غير الآخر ويفارقه لكن الصراط المستقيم يتحد مع كل منها في عين انه يتحد مع ما يخالفه، كما يستفاد من بعض الآيات المذكورة وغيرها كقوله: (وان اعبدوني هذا صراط مستقيم) يس - 61. وقوله تعالى: (قل انني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا) الانعام - 161. فسمى العبادة صراطا مستقيما وسمى الدين صراطا مستقيما وهما مشتركان بين السبل جميعا، فمثل الصراط المستقيم بالنسبة إلى سبل الله تعالى كمثل الروح بالنسبة إلى البدن، فكما ان للبدن أطوارا في حياته هو عند كل طور غيره عند طور آخر، كالصبي والطفولية والرهوق والشباب والكهولة والشيب والهرم لكن الروح هي الروح وهي متحدة بها والبدن يمكن ان تطرء عليه أطوار تنافي ما تحبه وتقتضيه الروح لو خليت ونفسها بخلاف الروح فطرة الله التي فطر الناس عليها والبدن مع ذلك هو الروح أعني الانسان، فكذلك السبيل إلى الله تعالى هو صراط المستقيم إلا ان السبيل كسبيل المؤمنين وسبيل المنيبين وسبيل المتبعين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو غير ذلك من سبل الله تعالى، ربما اتصلت به آفة من خارج أو نقص لكنهما لا يعرضان الصراط المستقيم كما عرفت ان الايمان وهو سبيل ربما يجامع الشرك والضلال لكن لا يجتمع مع شئ من ذلك الصراط المستقيم، فللسبيل مراتب كثيرة من جهة خلوصه وشوبه وقربه وبعده، والجميع على الصراط المستقيم أو هي هو.
وقد بين الله سبحانه هذا المعنى، أعني: اختلاف السبل إلى الله مع كون الجميع من صراطه المستقيم في مثل ضربه للحق والباطل في كلامه، فقال تعالى: (انزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال) الرعد - 17. فبين: ان القلوب والافهام في تلقي المعارف والكمال مختلفة، مع كون الجميع متكئة منتهية إلى رزق سماوي واحد، وسيجئ تمام الكلام في هذا المثل في سورة الرعد، وبالجملة فهذا أيضا نعت من نعوت الصراط المستقيم. 32 وإذا تأملت ما تقدم من نعوت الصراط المستقيم تحصل لك ان الصراط المستقيم
مهيمن على جميع السبل إلى الله والطرق الهادية إليه تعالى، بمعنى ان السبيل إلى الله إنما يكون سبيلا له موصلا إليه بمقدار يتضمنه من الصراط المستقيم حقيقة، مع كون الصراط المستقيم هاديا موصلا إليه مطلقا ومن غير شرط وقيد، ولذلك سماه الله تعالى صراطا مستقيما، فان الصراط هو الواضح من الطريق، مأخوذ من سرطت سرطا إذا بلعت بلعا، كأنه يبلع سالكيه فلا يدعهم يخرجوا عنه ولا يدفعهم عن بطنه، والمستقيم هو الذي يريد ان يقوم على ساق فيتسلط على نفسه وما لنفسه كالقائم الذي هو مسلط على أمره، ويرجع المعنى إلى أنه الذي لا يتغير أمره ولا يختلف شأنه فالصراط المستقيم ما لا يتخلف حكمه في هدايته وايصاله سالكيه إلى غايته ومقصدهم قال تعالى: (فاما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما) النساء - 174. اي لا يتخلف أمر هذه الهداية، بل هي على حالها دائما، وقال تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيما) الانعام - 126. أي هذه طريقته التي لا يختلف ولا يتخلف، وقال تعالى: (قال هذا صراط علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) الحجر - 42. أي هذه سنتي وطريقتي دائما من غير تغيير، فهو يجري مجرى قوله: (فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) الفاطر - 42.
وقد تبين مما ذكرناه في معنى الصراط المستقيم أمور.
أحدها: ان الطرق إلى الله مختلفة كمالا ونقصا وغلائا ورخصا، في جهة قربها من منبع الحقية والصراط المستقيم كالاسلام والايمان والعبادة والاخلاص والاخبات، كما أن مقابلاتها من الكفر والشرك والجحود والطغيان والمعصية كذلك، قال سبحانه (ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون) الأحقاف - 19.
وهذا نظير المعارف الإلهية التي تتلقاها العقول من الله فإنها مختلفة باختلاف الاستعدادات ومتلونة بألوان القابليات على ما يفيده المثل المضروب في قوله تعالى:
(انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها الآية).
وثانيها: انه كما إن الصراط المستقيم مهيمن على جميع السبل، فكذلك أصحابه الذين مكنهم الله تعالى فيه وتولى أمرهم وولاهم أمر هداية عباده حيث قال: (وحسن أولئك رفيقا) النساء - 71. وقال تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) المائدة - 55. والآية نازلة في أمير المؤمنين علي صلى الله عليه وآله وسلم بالاخبار المتواترة وهو عليه السلام أول فاتح لهذا الباب من الأمة وسيجئ تمام الكلام في الآية.
وثالثها: إن الهداية إلى الصراط يتعين معناها بحسب تعين معناه، وتوضيح ذلك أن الهداية هي الدلالة على ما في الصحاح، وفيه ان تعديتها لمفعولين لغة أهل الحجاز، وغيرهم يعدونه إلى المفعول الثاني بإلى، وقوله هو الظاهر، وما قيل: ان الهداية إذا تعدت إلى المفعول الثاني بنفسها، فهي بمعنى الايصال إلى المطلوب، وإذا تعدت بإلى فبمعنى إرائة، الطريق مستدلا بنحو قوله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) القصص - 56. حيث ث إن هدايته بمعنى ارائة الطريق ثابتة فالمنفى غيرها وهو الايصال إلى المطلوب قال تعالى: (وهديناهم صراطا مستقيما) النساء - 70. وقال تعالى: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) الشورى - 52.
فالهداية بالايصال إلى المطلوب تتعدى إلى المفعول الثاني بنفسها، والهداية بإرائة الطريق بإلى، وفيه ان النفي المذكور نفي لحقيقة الهداية التي هي قائمة بالله تعالى، لا نفي لها أصلا، وبعبارة أخرى هو نفي الكمال دون نفي الحقيقة، مضافا إلى أنه منقوض بقوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون: (يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد) غافر - 38. فالحق انه لا يتفاوت معنى الهداية باختلاف التعدية، ومن الممكن ان يكون التعدية إلى المفعول الثاني من قبيل قولهم دخلت الدار.
وبالجملة فالهداية هي الدلالة وارائة الغاية بإرائة الطريق وهي نحو ايصال إلى المطلوب، وانما تكون من الله سبحانه، وسنته سنة الأسباب بإيجاد سبب ينكشف به المطلوب ويتحقق به وصول العبد إلى غايته في سيره، وقد بينه الله سبحانه بقوله: (فمن
يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام) الانعام - 125. وقوله: (ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء) الزمر - 23. وتعدية قوله تلين بإلى لتضمين معنى مثل الميل والاطمينان، فهو ايجاده تعالى وصفا في القلب به يقبل ذكر الله ويميل ويطمئن إليه، وكما أن سبله تعالى مختلفة، فكذلك الهداية تختلف باختلاف السبل التي تضاف إليه فلكل سبيل هداية قبله تختص به.
وإلى هذا الاختلاف يشير قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين) العنكبوت - 69. إذ فرق بين ان يجاهد العبد في سبيل الله، وبين أن يجاهد في الله، فالمجاهد في الأول يريد سلامة السبيل ودفع العوائق عنه بخلاف المجاهد في الثاني فإنه إنما يريد وجه الله فيمده الله سبحانه بالهداية إلى سبيل دون سبيل بحسب استعداده الخاص به، وكذا يمده الله تعالى بالهداية إلى السبيل بعد السبيل حتى يختصه بنفسه جلت عظمته.
ورابعها: ان الصراط المستقيم لما كان أمرا محفوظا في سبل الله تعالى على اختلاف مراتبها ودرجاتها، صح ان يهدي الله الانسان إليه وهو مهدي فيهديه من الصراط إلى الصراط، بمعنى أن يهديه إلى سبيل من سبله ثم يزيد في هدايته فيهتدي من ذلك السبيل إلى ما هو فوقها درجة، كما أن قوله تعالى: إهدنا الصراط (وهو تعالى يحكيه عمن هداه بالعبادة) من هذا القبيل، ولا يرد عليه: ان سؤال الهداية ممن هو مهتد بالفعل سؤال لتحصيل الحاصل وهو محال، وكذا ركوب الصراط بعد فرض ركوبه تحصيل للحاصل ولا يتعلق به سؤال، والجواب ظاهر.
وكذا الايراد عليه: بأن شريعتنا أكمل وأوسع من جميع الجهات من شرائع الأمم السابقة، فما معنى السؤال من الله سبحانه أن يهدينا إلى صراط الذين أنعم الله عليهم منهم؟ وذلك أن كون شريعة أكمل من شريعة أمر، وكون المتمسك بشريعة أكمل من المتمسك بشريعة أمر آخر ورائه، فان المؤمن المتعارف من مؤمني شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم (مع كون شريعته أكمل وأوسع) ليس بأكمل من نوح وإبراهيم عليهما السلام مع كون شريعتهما أقدم وأسبق، وليس ذلك إلا ان حكم الشرائع والعمل بها غير حكم الولاية الحاصلة من التمكن فيها والتخلق بها، فصاحب مقام التوحيد الخالص وان كان من أهل الشرائع السابقة أكمل وأفضل ممن لم يتمكن من مقام التوحيد ولم تستقر
حياة المعرفة في روحه ولم يتمكن نور الهداية الإلهية من قلبه، وإن كان عاملا بالشريعة المحمدية صلى الله عليه وآله وسلم التي هي أكمل الشرائع وأوسعها، فمن الجائز أن يستهدي صاحب المقام الداني من أهل الشريعة الكاملة ويسأل الله الهداية إلى مقام صاحب المقام العالي من أهل الشريعة التي هي دونها.
ومن أعجب ما ذكر في هذا المقام، ما ذكره بعض المحققين من أهل التفسير جوابا عن هذه الشبهة: ان دين الله واحد وهو الاسلام، والمعارف الأصلية وهو التوحيد والنبوة والمعاد وما يتفرع عليها من المعارف الكلية واحد في الشرائع، وانما مزية هذه الشريعة على ما سبقها من الشرائع هي ان الاحكام الفرعية فيها أوسع واشمل لجميع شؤون الحياة، فهي أكثر عناية بحفظ مصالح العباد، على أن أساس هذه الشريعة موضوع على الاستدلال بجميع طرقها من الحكمة والموعظة والجدال الأحسن، ثم إن الدين وان كان دينا واحدا والمعارف الكلية في الجميع على السواء غير أنهم سلكوا سبيل ربهم قبل سلوكنا وتقدموا في ذلك علينا، فأمرنا الله النظر فيما كانوا عليه والاعتبار بما صاروا إليه هذا.
أقول: وهذا الكلام مبنى على أصول في مسلك التفسير مخالفة للأصول التي يجب أن يبتني مسلك التفسير عليها، فإنه مبني على أن حقائق المعارف الأصلية واحدة من حيث الواقع من غير اختلاف في المراتب والدرجات، وكذا سائر الكمالات الباطنية المعنوية، فأفضل الأنبياء المقربين مع أخس المؤمنين من حيث الوجود وكماله الخارجي التكويني على حد سواء، وإنما التفاضل بحسب المقامات المجعولة بالجعل التشريعي من غير أن يتكي على تكوين، كما أن التفاضل بين الملك والرعية إنما هو بحسب المقام الجعلي الوضعي من غير تفاوت من حيث الوجود الانساني هذا.
ولهذا الأصل أصل آخر يبنى عليه، وهو القول بأصالة المادة ونفى الأصالة عما ورائها والتوقف فيه إلا في الله سبحانه بطريق الاستثناء بالدليل، وقد وقع في هذه الورطة من وقع لاحد أمرين: إما القول بالاكتفاء بالحس اعتمادا على العلوم المادية وإما إلغاء التدبر في القرآن بالاكتفاء بالتفسير بالفهم العامي.
وللكلام ذيل طويل سنورده في بعض الأبحاث العلمية الآتية إن شاء الله تعالى.
وخامسها: ان مزية أصحاب الصراط المستقيم على غيرهم، وكذا صراطهم على سبيل غيرهم، إنما هو بالعلم لا العمل، فلهم من العلم بمقام ربهم ما ليس لغيرهم، إذ قد تبين مما مر: ان العمل التام موجود في بعض السبل التي دون صراطهم، فلا يبقى لمزيتهم إلا العلم، واما ما هذا العلم؟ وكيف هو؟ فنبحث عنه إن شاء الله في قوله تعالى: (انزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) الرعد - 17.
ويشعر بهذا المعنى قوله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) المجادلة - 11، وكذا قوله تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) الملائكة - 10، فالذي يصعد إليه تعالى هو الكلم الطيب وهو الاعتقاد والعلم، واما العمل الصالح فشأنه رفع الكلم الطيب والامداد دون الصعود إليه تعالى، وسيجئ تمام البيان في البحث عن الآية.
(بحث روائي) في الكافي عن الصادق عليه السلام في معنى العبادة قال: العبادة ثلاثة: قوم عبدوا الله خوفا، فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب، فتلك عبادة الاجراء، وقوم عبدوا الله عز وجل حبا، فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة.
وفي نهج البلاغة: ان قوما عبدوا الله رغبة، فتلك عبادة التجار، وان قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وان قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار.
وفي العلل والمجالس والخصال، عن الصادق عليه السلام: ان الناس يعبدون الله على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدونه خوفا من النار فتلك عبادة العبيد، وهي رهبة، ولكني اعبده حبا له عز وجل فتلك عبادة الكرام، لقوله عز وجل: (وهم من فزع يومئذ آمنون).
ولقوله عز وجل (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)، فمن أحب الله عز وجل
أحبه، ومن أحبه الله كان من الآمنين، وهذا مقام مكنون لا يمسه إلا المطهرون.
أقول: وقد تبين معنى الروايات مما مر من البيان، وتوصيفهم عليهم السلام عبادة الأحرار تارة بالشكر وتارة بالحب، لكون مرجعهما واحدا، فان الشكر وضع الشئ المنعم به في محله، والعبادة شكرها ان تكون لله الذي يستحقها لذاته، فيعبد الله لأنه الله، اي لأنه مستجمع لجميع صفات الجمال والجلال بذاته، فهو الجميل بذاته المحبوب لذاته، فليس الحب إلا الميل إلى الجمال والانجذاب نحوه، فقولنا فيه تعالى هو معبود لأنه هو، وهو معبود لأنه جميل محبوب، وهو معبود لأنه منعم مشكور بالعبادة يرجع جميعها إلى معنى واحد.
وروي بطريق عامي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: إياك نعبد الآية، يعني:
لا نريد منك غيرك ولا نعبدك بالعوض والبدل: كما يعبدك الجاهلون بك المغيبون عنك.
أقول: والرواية تشير إلى ما تقدم، من استلزام معنى العبادة للحضور وللاخلاص الذي ينافي قصد البدل.
وفي تحف العقول عن الصادق عليه السلام في حديث: ومن زعم أنه يعبد بالصفة لا بالادراك فقد أحال على غائب، ومن زعم أنه يعبد الصفة والموصوف فقد أبطل التوحيد لان الصفة غير الموصوف، ومن زعم أنه يضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغر بالكبير، وما قدروا الله حق قدره. الحديث.
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام في معنى قوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم يعني ارشدنا إلى لزوم الطريق المؤدي إلى محبتك، والمبلغ إلى جنتك، والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب، أو ان نأخذ بآرائنا فنهلك.
وفي المعاني أيضا عن علي عليه السلام: في الآية، يعني، ادم لنا توفيقك الذي أطعناك به في ماضي أيامنا، حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا.
أقول: والروايتان وجهان مختلفان في الجواب عن شهبة لزوم تحصيل الحاصل من سؤال الهداية للمهدي، فالرواية الأولى ناظرة إلى اختلاف مراتب الهداية مصداقا والثانية إلى اتحادها مفهوما.
وفي المعاني أيضا عن علي عليه السلام: الصراط المستقيم في الدنيا ما قصر عن الغلو، وارتفع عن التقصير واستقام، وفي الآخرة طريق المؤمنين إلى الجنة.
وفي المعاني أيضا عن علي عليه السلام: في معنى صراط الذين الآية: اي: قولوا: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك، لا بالمال والصحة، فإنهم قد يكونون كفارا أو فساقا، قال: وهم الذين قال الله: " ومن يطع الله والرسول فاؤلئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا). وفي العيون عن الرضا عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: قال الله عز وجل: قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سئل، إذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم قال الله جل جلاله بدء عبدي باسمي، وحق علي ان أتمم له أموره، وأبارك له في أحواله، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله جل جلاله: حمدني عبدي، وعلم أن النعم التي له من عندي وان البلايا التي دفعت عنه بتطولي، أشهدكم أني أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، وإذا قال الرحمن الرحيم، قال الله جل جلاله: شهد لي عبدي اني الرحمن الرحيم اشهدكم لأوفرن من رحمتي حظه ولأجزلن من عطائي نصيبه، فإذا قال: مالك يوم الدين قال الله تعالى:
أشهدكم، كما اعترف بأني أنا المالك يوم الدين، لأسهلن يوم الحساب حسابه، ولا تقبلن حسناته ولا تجاوزن عن سيئاته، فإذا قال: إياك نعبد، قال الله عز وجل: صدق عبدي، إياي يعبد اشهدكم لأثيبنه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي، فإذا قال: وإياك نستعين قال الله تعالى: بي استعان عبدي والي التجأ، اشهدكم لأعيننه على أمره، ولأغيثنه في شدائده ولآخذن بيده يوم نوائبه، فإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة، قال الله عز وجل: هذا لعبدي ولعبدي ما سئل، وقد استجبت لعبدي وأعطيته ما امل وآمنته مما منه وجل.
أقول: وروى قريبا منه الصدوق في العلل عن الرضا عليه السلام، والرواية كما ترى
تفسر سورة الفاتحة في الصلاة فهي تؤيد ما مر مرارا أن السورة كلام له سبحانه النيابة عن عبده في ما يذكره في مقام العبادة واظهار العبودية من الثناء لربه واظهار عبادته، فهى سورة موضوعة للعبادة، وليس في القرآن سورة تناظرها في شأنها واعنى بذلك: اولا: ان السورة بتمامها كلام تكلم به الله سبحانه في مقام النيابة عن عبده فيما يقوله إذا وجه وجهه إلى مقام الربوبية ونصب نفسه في مقام العبودية. وثانيا: انها مقسمة قسمين، فنصف منها لله ونصف منها للعبد.
وثالثا: أنها مشتملة على جميع المعارف القرآنية على ايجازها واختصارها فان القرآن على سعته العجيبة في معارفه الأصلية وما يتفرع عليها من الفروع من أخلاق واحكام في العبادات والمعاملات والسياسات والاجتماعيات ووعد ووعيد وقصص وعبر، يرجع جمل بياناتها إلى التوحيد والنبوة والمعاد وفروعاتها، وإلى هداية العباد إلى ما يصلح به اولاهم وعقباهم، وهذه السورة كما هو واضح تشتمل على جميعها في أوجز لفظ وأوضح معنى.
وعليك ان تقيس ما يتجلى لك من جمال هذه السورة التي وضعها الله سبحانه في صلاة المسلمين بما يضعه النصارى في صلوتهم من الكلام الموجود في إنجيل متى: (6 - 9 - 13) وهو ما نذكره بلفظه العربي، (أبانا الذي في السماوات، ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيتك كما في أسماء كذلك على الأرض، خبزنا كفافنا، أعطنا اليوم، واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا، ولا تدخلنا في تجربة ولكن نجنا من الشرير آمين).
تأمل في المعاني التي تفيدها ألفاظ هذه الجمل بعنوان انها معارف سماوية، وما يشتمل عليه من الأدب العبودي، إنها تذكر أولا: أن أباهم (وهو الله تقدس اسمه) في السماوات!! ثم تدعو في حق الأب بتقدس اسمه واتيان ملكوته ونفوذ مشيته في الأرض كما هي نافذة في السماء، ولكن من الذي يستجيب هذا الدعاء الذي هو بشعارات الأحزاب السياسية أشبه؟ ثم تسئل الله اعطاء خبز اليوم ومقابلة المغفرة بالمغفرة، و
جعل الاغماض عن الحق في مقابل الاغماض، وما ذا هو حقهم لو لم يجعل الله لهم حقا؟
وتسئله ان لا يمتحنهم بل ينجيهم من الشرير، ومن المحال ذلك، فالدار دار الامتحان والاستكمال وما معنى النجاة لولا الابتلاء والامتحان؟ ثم اقض العجب مما ذكره بعض المستشرقين (1) من علماء الغرب وتبعه بعض من المنتحلين: أن الاسلام لا يربو على غيره في المعارف، فان جميع شرائع الله تدعو إلى التوحيد وتصفية النفوس بالخلق الفاضل والعمل الصالح، وإنما تتفاضل الأديان في عراقة ثمراتها الاجتماعية!!
(بحث آخر روائي) في الفقيه وتفسير العياشي عن الصادق عليه السلام قال: الصراط المستقيم أمير المؤمنين عليه السلام.
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام قال: هي الطريق إلى معرفة الله، وهما صراطان صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، فاما الصراط في الدنيا فهو الامام المفترض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه في الآخرة فتردى في نار جهنم.
وفي المعاني أيضا عن السجاد عليه السلام قال: ليس بين الله وبين حجته حجاب، ولا لله دون حجته ستر، نحن أبواب الله ونحن الصراط المستقيم ونحن عيبة علمه، ونحن تراجمة وحيه ونحن أركان توحيده ونحن موضع سره.
وعن ابن شهرآشوب عن تفسير وكيع بن الجراح عن الثوري عن السدي، عن أسباط ومجاهد، عن ابن عباس في قوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم، قال:
قولوا معاشر العباد! ارشدنا إلى حب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليه السلام.
أقول: وفي هذه المعاني روايات أخر، وهذه الأخبار من قبيل الجري، وعد المصداق للآية، واعلم أن الجري و (كثيرا ما نستعمله في هذا الكتاب) اصطلاح مأخوذ من قول أئمة أهل البيت عليه السلام.

(1) القسيس الفاضل كوستار لبون في تاريخ تمدن الاسلام.
ففي تفسير العياشي عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الرواية، ما في القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن وما فيها حرف إلا وله حد، ولكل حد مطلع ما يعنى بقوله ظهر وبطن؟ قال؟ ظهره تنزيله وبطنه تأويله، منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد، يجري كما يجري الشمس والقمر، كلما جاء منه شئ وقع الحديث.
وفي هذا المعنى روايات أخر، وهذه سليقة أئمه أهل البيت فإنهم عليه السلام يطبقون الآية من القرآن على ما يقبل ان ينطبق عليه من الموارد وان كان خارجا عن مورد النزول، والاعتبار يساعده، فان القرآن نزل هدى للعالمين يهديهم إلى واجب الاعتقاد وواجب الخلق وواجب العمل، وما بينه من المعارف النظرية حقائق لا تختص بحال دون حال ولا زمان دون زمان، وما ذكره من فضيلة أو رذيلة أو شرعه من حكم عملي لا يتقيد بفرد دون فرد ولا عصر دون عصر لعموم التشريع.
وما ورد من شأن النزول (وهو الامر أو الحادثة التي تعقب نزول آية أو آيات في شخص أو واقعة) لا يوجب قصر الحكم على الواقعة لينقضي الحكم بانقضائها ويموت بموتها لان البيان عام والتعليل مطلق، فان المدح النازل في حق افراد من المؤمنين أو الذم النازل في حق آخرين معللا بوجود صفات فيهم، لا يمكن قصرهما على شخص مورد النزول مع وجود عين تلك الصفات في قوم آخر بعدهم وهكذا، والقرآن أيضا يدل عليه، قال تعالى: (يهدي به الله من اتبع رضوانه) المائدة - 16 - وقال: (وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) حم سجده - 42. وقال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر - 9.
والروايات في تطبيق الآيات القرآنية عليهم عليه السلام أو على أعدائهم أعني:
روايات الجري، كثيرة في الأبواب المختلفة، وربما تبلغ المئين، ونحن بعد هذا التنبيه العام نترك ايراد أكثرها في الأبحاث الروائية لخروجها عن الغرض في الكتاب، إلا ما تعلق بها غرض في البحث فليتذكر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في ظلال القرآن | سيد قطب| المقدمة