البداية والنهاية للحافظ ابن كثير - الفوائد والنكت

نهر النيل وخصائصه أما النيل: وهو النهر الذي ليس في أنهار الدنيا له نظير في خفته، ولطافته، وبعد مسراه فيما بين مبتداه إلى منتهاه؛ فمبتداه من الجبال القمر، أي البيض.
 ومنهم من يقول: جبال القمر بالإضافة إلى الكوكب، وهي: في غربي الأرض، وراء خط الإستواء، إلى الجانب الجنوبي.

ويقال: إنها حمر ينبع من بينها عيون، ثم يجتمع من عشر مسيلات متباعدة، ثم يجتمع كل خمسة منها في بحر، ثم يخرج منها أنهار ستة، ثم يجتمع كلها في بحيرة أخرى، ثم يخرج منها نهر واحد هو: النيل، فيمر على بلاد السودان الحبشة، ثم على النوبة، ومدينتها العظمى دمقلة، ثم على أسوان، ثم يفدُ على ديار مصر.

وقد تحمل إليها من بلاد الحبشة زيادات أمطارها، واجترف من ترابها، وهي محتاجة إليهما معًا، لأن مطرها قليل، لا يكفي زروعها، وأشجارها.
وتربتها رمال، لا تنبت شيئًا، حتى يجيء النيل بزيادته وطينه، فينبت فيه ما يحتاجون إليه، وهي من أحق الأراضي، بدخولها في قوله تعالى:

 { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ }
 [السجدة: 27] .
ثم يجاوز النيل مصر قليلًا، فيفترق شطرين عند قرية على شاطئه، يقال لها: شطنوف، 
فيمر الغربي على رشيد، ويصب في البحر المالح.
وأما الشرقي: 
فتفترق أيضًا عند جوجر فرقتين، تمر الغربية منهما على دمياط من غربيها، ويصب في البحر. والشرقية منهما تمر على أشمون طناح، فيصب هناك في بحيرة شرقي دمياط، يقال لها بحيرة تنيس، وبحيرة دمياط.
وهذا بعد عظيم فيما بين مبتداه إلى منتهاه. ولهذا كان ألطف المياه.

قال ابن سينا: له خصوصيات دون مياه سائر الأرض.

فمنها: أنه أبعدها مسافة من مجراه إلى أقصاه.

ومنها: أنه يجري على صخور ورمال، ليس فيه خز، ولا طحلب، ولا أوحال.

ومنها: أنه لا يخضر فيه حجر، ولا حصاة، وما ذاك إلا لصحة مزاجه، وحلاوته، ولطافته.

ومنها: أن زيادته في أيام نقصان سائر الأنهار، ونقصانه في أيام زيادتها وكثرتها.

وأما ما يذكره بعضهم من أن أصل منبع النيل من مكان مرتفع، اطلع عليه بعض الناس، فرأى هناك هولًا عظيمًا، وجواري حسانًا، وأشياء غريبة، وأن الذي اطلع على ذلك، لا يمكنه الكلام بعد هذا، فهو من خرافات المؤرخين، وهذيانات الأفاكين.
48-49/1 
  عيد وفاء النيل وكيف أبطل الإسلام هذه الخرافة الشنيعة   وقد قال عبدالله بن لهيعة، عن قيس بن الحجاج، عمن حدثه قال: لما فتح عمرو بن العاص مصر، أتى أهلها إليه، حين دخل شهر بؤنة من أشهر العجم القبطية، فقالوا: أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة، لا يجري إلا بها.
فقال لهم: وما ذاك؟
قالوا: إذا كان لثنتي عشرة ليلة، خلت من هذا الشهر، عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي، والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل، فقال لهم عمرو:
إن هذا لا يكون في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما قبله، فأقاموا بؤنة، والنيل لا يجري لا قليلًا، ولا كثيرًا.
وفي رواية: فأقاموا بؤنة، وأبيب، ومسرى، وهو لا يجري، حتى هموا بالجلاء.
فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إليه عمر: إنك قد أصبت بالذي فعلت، وإني قد بعثت إليك بطاقة، داخل كتابي هذا، فألقها في النيل.
فلما قدِمَ كتابه، أخذ عمرو البطاقة، ففتحها، فإذا فيها: من عبد الله عمر، أمير المؤمنين، إلى نيل مصر، أما بعد:
فإن كنت تجري من قبلك، فلا تجرِ، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك، فنسأل الله أن يجريك.
فألقى عمرو البطاقة في النيل، فأصبح يوم السبت. وقد أجرى الله النيل، ستة عشر ذراعًا، في ليلة واحدة، وقطع الله تلك السنة، عن أهل مصر إلى اليوم.
  49/1
الكواكب السبعة التي كان يعبدها الصابئة
----
وكتاب السر المكتوم في مخاطبة الشمس والقمر والنجوم
المنسوب للفخر الرازي 
  فالكواكب التي في السماء، منها سيارات، وهي المتحيزة، وهي سبعة:
القمر في سماء الدنيا.
وعطارد في الثانية.
والزهرة في الثالثة.
والشمس في الرابعة.
والمريخ في الخامسة.
والمشتري في السادسة.
وزحل في السابعة.
وبقية الكواكب يسمونها الثوابت، وهي عندهم في الفلك الثامن، وهو الكرسي في اصطلاح كثير من المتأخرين.
وقد تكلموا على مقادير أجرام هذه الكواكب، وسيرها، وحركاتها، وتوسعوا في هذه الأشياء حتى تعدوا إلى علم الأحكام، وما يترتب على ذلك من الحوادث الأرضية، ومما لا علم لكثير منهم به.
وقد كان اليونانيون الذين كانوا يسكنون الشام قبل زمن المسيح عليه السلام بدهور لهم في هذا كلام كثير، يطول بسطه، 
وهم الذين بنوا مدينة دمشق، 
 وجعلوا لها أبوابًا سبعة،
 وجعلوا على رأس كل باب هيكلًا على صفة الكواكب السبعة،
 يعبدون كل واحد في هيكله، ويدعونه بدعاء يأثره عنهم غير واحد من أهل التواريخ، وغيرهم.
وذكره صاحب السر المكتوم في مخاطبة الشمس والقمر والنجوم، وغيره من علماء الحرنانيين (فلاسفة حران) في قديم الزمان، وقد كانوا مشركين يعبدون الكواكب السبع، وهم طائفة من الصابئين.
  58-59/1
كتاب التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأعلام
للسهيلي  
  وذكر محمد بن الحسن النقاش أن إسرافيل أول من سجد من الملائكة، فجوزي بولاية اللوح المحفوظ، حكاه: أبو القاسم السهيلي في كتابه (التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأعلام). 76/1 
كتاب مكائد الشيطان لابن أبي الدنيا   فالشيطان لا يألو الإنسان خبالًا، جهده وطاقته، في جميع أحواله، وحركاته، وسكناته، كما صنف الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا، كتابًا في ذلك، سمَّاه: (مكائد الشيطان) وفيه فوائد جمَّة.   104/1
كتاب المعارف
لابن قتيبة 
---
والخلاف في الجنة التي أسكنها آدم عليه السلام
  وقال آخرون: بل الجنة التي أسكنها آدم، لم تكن جنة الخلد، لأنه كلف فيها أن لا يأكل من تلك الشجرة، ولأنه نام فيها، وأخرج منها، ودخل عليه إبليس فيها، وهذا مما ينافي أن تكون جنة المأوى.
وهذا القول، محكي عن أبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، ووهب بن منبه، وسفيان بن عيينة، واختاره ابن قتيبة في (المعارف)، والقاضي منذر بن سعيد البلوطي في (تفسيره)، وأفرد له مصنفًا على حدة.
وحكاه عن أبي حنيفة الإمام، وأصحابه رحمهم الله، ونقله أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي بن خطيب الري في (تفسيره)، عن أبي القاسم البلخي وأبي مسلم الأصبهاني.
ونقله القرطبي في (تفسيره) عن المعتزلة، والقدرية.
وهذا القول: هو نص التوراة، التي بأيدي أهل الكتاب.
وممن حكى الخلاف في هذه المسألة: أبو محمد بن حزم، في (الملل والنحل) وأبو محمد بن عطية في (تفسيره)، وأبو عيسى الرماني في (تفسيره).
118/1 
  سر الجمع بين الجوع والعري، والظمأ والحر في الآيتين قالوا: ولا مانع، بل هو الواقع أن الجنة التي أسكنها آدم، كانت مرتفعة عن سائر بقاع الأرض، ذات أشجار، وثمار، وظلال، ونعيم، ونضرة، وسرور.
كما قال تعالى: { إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى } [طه: 118] .
أي لا يذل باطنك بالجوع، ولا ظاهرك بالعرى.
{ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى } أي: لا يمس باطنك حر الظمأ، ولا ظاهرك حر الشمس.
ولهذا قرن بين هذا وهذا، وبين هذا وهذا، لما بينهما من الملاءمة.
  120/1
  التحقيق في معنى حديث:
حج آدم موسى
والتحقيق: أن هذا الحديث، روي بألفاظ كثيرة: بعضها مروي بالمعنى، وفيه نظر، ومدار معظمها في (الصحيحين)، وغيرهما، على أنه لامه على إخراجه نفسه، وذريته من الجنة، فقال له آدم: أنا لم أخرجكم، وإنما أخرجكم الذي رتب الإخراج على أكلي من الشجرة.
والذي رتب ذلك وقدره، وكتبه قبل أن أخلق هو الله عز وجل، فأنت تلومني على أمر ليس له نسبة إلى، أكثر ما أني نهيت عن الأكل من الشجرة، فأكلت منها.
وكون الإخراج مترتبًا على ذلك ليس من فعلي فأنا لم أخرجكم ولا نفسي من الجنة، وإنما كان هذا من قدره الله، وصنعه، وله الحكمة في ذلك، فلهذا حج آدم موسى.
ومن كذَّب بهذا الحديث فمعاند، لأنه متواتر، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وناهيك به عدالة، وحفظًا، واتقانًا.
ثم هو مروي، عن غيره من الصحابة، كما ذكرنا.
  132/1