تحرير المعنى السديد، وتنوير العقل الجديد، من تفسير الكتاب المجيد - اختصار وتهذيب

بسم الله الرحمن الرحيم 

أما بعد،

فهذا اختصار وتهذيب لتفسير الطاهر بن عاشور، المعروف باسمه المختصر،

 (التحرير والتنوير من التفسير)

أقوم باختصاره على فترات متقطعة، يسر الله إتمامه وأعان .. آمين
الجزء الأول

1	الحمد لله الذي أنزل القرآن على أفضل رسول، فبه أصبح الرسول الأمي سيد الحكماء المربين، فلم يزل كتابه مشعّا نيّرا محفوظا من لدنه أن يترك فيكون مبدلا ومغيَّرًا	5
2	ثم قيض لتبيينه أصحابه الأشداء الرحماء، وأبان أسراره من بعدهم في الأمة من العلماء	5
3	أما بعد، فقد كان أكبر أمنيتي، تفسير الكتاب المجيد الجامع لمصالح الدنيا والدين، والحاوي لكليات العلوم ومعاقد استنباطها والآخذ قوس البلاغة من محل نياطها، طمعا في بيان نكت من العلم وكليات من التشريع، وتفاصيل من مكارم الأخلاق، كان يلوح أنموذج من جميعها في خلال تدبره أو مطالعة كلام مفسره	5
4	فأقدمت على هذا المهم إقدام الشجاع على وادي السباع، متوسطا في معترك أنظار الناظرين. فجعلت حقا علي أن أبدي في تفسير القرآن نكتا لم أر من سبقني إليها، وأن أقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين تارة لها وآونة عليها فإن الاقتصار على الحديث المعاد تعطيل لفيض القرآن الذي ما له من نفاد	6
5	ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين: رجل معتكف فيما شاده الأقدمون، وآخر آخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون وفي كلتا الحالتين ضر كثير. وهنالك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير، وهي أن نعمد إلى ما أشاده الأقدمون فنهذبه ونزيده، وحاشا أن ننقضه أو نبيده عالما بأن غمض فضلهم كفران للنعمة، وجحد مزايا سلفها ليس من حميد خصال الأمة.	7
6	والتفاسير وإن كانت كثيرة فإنك لا تجد الكثير منها إلا عالة على كلام سابق بحيث لا حظ لمؤلفه إلا الجمع على تفاوت بين اختصار وتطويل	7
7	وإن أهم التفاسير: تفسير الكشاف والمحرر الوجيز .. لابن عطية ومفاتيح الغيب .. لفخر الدين الرازي وتفسير البيضاوي .. الملخص من الكشاف ومفاتيح الغيب بتحقيق بديع وتفسير الشهاب الآلوسي وما كتبه الطيبي والقزويني والقطب والتفتزاني على الكشاف وما كتبه الخفاجي على تفسير البيضاوي وتفسير أبي السعود وتفسير القرطبي والموجود من تفسير الشيخ محمد بن عرفة التونسي من تقييد تلميذه الأبيّ، وهو بكونه تعليقا على تفسير ابن عطية أشبه منه بالتفسير لذلك لا يأتي على جميع آي القرآن وتفاسير الأحكام وتفسير الإمام محمد بن جرير الطبري وكتاب درة التنزيل .. المنسوب لفخر الدين الرازي، وربما ينسب للراغب الأصفهاني	7
8	إن معاني القرآن ومقاصده ذات أفانين كثيرة، فمنها الأحكام والآداب والقصص. وربما اشتملت الآية الواحدة على فنين من ذلك أو أكثر، وقد نحا كثير من المفسرين بعض تلك الأفنان. ولكن فنا من فنون القرآن لا تخلو  عن دقائقه ونكته آية من آيات القرآن، هو فن دقائق البلاغة، الذي لم يخصه أحد من المفسرين بكتاب، من أجل ذلك التزمت أن لا أغفل التنبيه على ما يلوح لي من هذا الفن العظيم في آية من آي القرآن كلما ألهمته بحسب مبلغ الفهم وطاقة التدبر	8
9	وقد اهتممت في تفسيري هذا ببيان وجوه الإعجاز ونكت البلاغة العربية وأساليب الاستعمال واهتممت أيضا ببيان تناسب اتصال الآي بعضها ببعض، وهو منزع جليل قد عني به فخر الدين الرازي، وألف فيه البقاعي كتابه المسمى .. نظم الدرر في تناسب الآي والسور. إلا أنهما لم يأتيا في كثير من الآي بما فيه مقنع أما البحث عن تناسب موقع السور بعضها إثر بعض فلا أراه حقا على المفسر	8
10	ولم أغادر سورة إلا بينت ما أُحيطُ به من أغراضها لئلا يكون الناظر في تفسير القرآن مقصورا على بيان مفرداته ومعاني جمله كأنها فقر متفرقة تصرفه عن روعة انسجامه وتحجب عنه روائع جماله	8
11	واهتممت بتبيين معاني المفردات في اللغة العربية بضبط وتحقيق مما خلت عن ضبط كثير منه قواميس اللغة وبذلت الجهد في الكشف عن نكت من معاني القرآن وإعجازه خلت عنها التفاسير، ومن أساليب الاستعمال الفصيح فجاء في هذا التفسير أحسن ما في التفاسير، وفيه أحسن مما في التفاسير	8
12	وسميته .. تحرير المعنى السديد، وتنوير العقل الجديد، من تفسير الكتاب المجيد. واختصرت هذا الاسم باسم .. التحرير والتنوير من التفسير وها أنا أبتدئ بتقديم مقدمات تكون عونا للباحث في التفسير وتغنيه عن معاد كثير	9