سير أعلام النبلاء| الذهبي| ط الرسالة

[الذهبي وكتابه سير أعلام النبلاء]
الحمد لله رب العالمين،
 والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الأمي،
 وعلى آله وأصحابه الطيبين نجوم الهدى في كل حين،
وبعد: فهذا مختصر نافع إن شاء الله في سيرة مؤرخ الإسلام الإمام الثقة المتقن الناقد البارع شمس الدين الذهبي،
 وفي كتابه النفيس " سير أعلام النبلاء "
ومنزلته بين الكتب التي من بابته،
جعلته في فصلين:
الأول في سيرة الذهبي
 والثاني في كتابه " السير ".
==============================
تناول الفصل الأول البيئة الدمشقية التي نشأ بها الذهبي بكل ما كان فيها من نهضة علمية واسعة،
 وما اعتراها من صراعات عقائدية،
 وانتشار الجهل،
 والاعتقاد بالمغيبات بين العوام.
وحاولت أن أقدم صورة لبيئته العائلية المتدينة المعنية بالعلم التي ربته على حب العلم والعلماء منذ نعومة أظفاره مما هيأه لمستقبل علمي مرسوم،
 فرأيناه عند اكتمال شخصيته يعنى بطلب العلم من قراءات وحديث،
 ثم تتبعت رحلاته في طلب العلم،
 واستطعت أن أحددها بالبلاد الشامية والمصرية والحجازية،
 وبينت نتيجة تتبعي لنشاطه أن رحلته إلى البلاد المصرية كانت بين شهر رجب، وذي القعدة من سنة 695 هـ،
فصححت بذلك آراء بعض المؤرخين في هذه المسألة.

وأوضحت طبيعة دراساته،
 وذكرت أنها كانت متنوعة لم تقتصر على جانب واحد،
 لكنها في الوقت نفسه لم تخرج عن دائرة العلوم الدينية عموما والعلوم المساعدة لها من تاريخ ونحو ولغة وأدب.

وتناول الفصل صلات الذهبي الشخصية بابن تيمية والمزي والبرزالي وأثرها في تبلور فكره السلفي المتمثل بميله إلى آراء الحنابلة ودفاعه عن مذهبهم في العقائد، وارتباطه الشديد بالحديث والمحدثين، ونظرته إلى العلوم والعلماء وفلسفتهم تجاه العلوم العقلية، مما أثر في منهجه التاريخي تأثيرا واضحا، فظهر في اهتمامه الكبير بالتراجم التي صارت تكون أسس كتبه، ومحور تفكيره التاريخي، وفي نظرته إلى الأحداث التاريخية وأسس انتقائها، ثم فيما وجه إلى كتاباته من نقد أثار نقاشا بين علماء عصره، وعند العلماء الذين جاءوا بعده.
===============================
أما نشاطه العلمي،
فقد بينت أنه اتخذ وجهتين رئيستين:
أولاهما:
 كتاباته الكثيرة،
 وثانيتهما:
 تدريسه الحديث في أمهات دور الحديث بدمشق بحيث استطعنا التعرف على خمس دور للحديث كان يتولى مشيختها في آن واحد قبيل وفاته.

وأبنت منزلة الذهبي العلمية استنادا إلى دراسة مسهبة لآثاره الكثيرة التي خلفها.

وقد أظهرت الدارسة أن منزلته العلمية وبراعته ظهرتا في أحسن الوجوه إشراقا وأكثرها تألقا عند دراستي له محدثا ومؤرخا وناقدا.
وعلى الرغم من أنه عاش في بيئة غلب عليها الجمود والنقل والتلخيص،
 فإنه قد تخلص من كثير من ذلك بفضل سعة دراساته وفطنته.
وكان مفهوم التاريخ عند الذهبي يتصل اتصالا وثيقا بالحديث النبوي الشريف وعلومه،
 وقد ظهر ذلك في عنايته التامة بكتب التراجم التي قامت عليها شهرته الواسعة باعتباره مؤرخا.
وقد جعلت منه معرفته الرجالية الواسعة ناقدا ماهرا،
 ظهر ذلك في مؤلفاته المعنية بالنقد وفي التفاتاته البارعة في أصول النقد،
 ورده لكثير من الروايات،
 وتخطئته لكبار النقاد،
 وقدرته الفائقة على البحث والاستدلال.
وختمت الفصل بتذكرة مختصرة في تآليفه واختصاراته وتخريجاته مرتبة حسب موضوعاتها،
 وأشرت إلى ما طبع منها وما هو مخطوط مع بيان مكان النسخة الخطية على سبيل الاختصار.
وقد تمكنت أن أعد له مئتين وخمسة عشر مؤلفا ومختصرا وتخريجا.
======================
أما الفصل الثاني الذي خصصته لمنهج " السير " وأهميته،
 فقد بدأته بالكلام على عنوان الكتاب وتأليفه،
 وتمكنت فيه أن أحدد تاريخ تأليف الكتاب بسنة 732 هـ خلافا لما هو شائع عند الناس.
ثم عرجت على نطاق الكتاب وعدد مجلداته وتوصلت إلى أن الذهبي لم يكتب المجلدين الأول والثاني منه إنما طالب النساخ باستلالهما من تاريخه الكبير " تاريخ الإسلام "،
 وأن المجلدين لم يفقدا كما نصت وقفية الكتاب على المدرسة المحمودية،
 ثم أثبت بما لا يقبل الشك أن المجلد الثالث عشر الذي وصل إلينا ليس هو آخر الكتاب،
 كما ادعى الدكتور الفاضل صلاح الدين المنجد،
 وتابعه الناس عليه،
 بل إن هناك مجلدا آخر يتمم الكتاب هو المجلد الرابع عشر ومنه رجحت أن يكون الذهبي قد رتب كتابه على أربعين طبقة تقريبا وليس على خمس وثلاثين كما هو شائع.
وتناولت في هذا الفصل أيضا ترتيب الكتاب على الطبقات فرأيت أن مستلزمات البحث تقتضي استعراضا لظهور هذا الترتيب في تاريخ الحركة التأليفية عند المسلمين،
 ومحاولة لتحديد هذا المفهوم التنظيمي عند الذهبي عن طريق دراسة مؤلفاته التراجمية المرتبة على الطبقات،
 ومنها كتابه " السير ".
وقد تمكنت فيما أعتقد من تفسير التناقض الظاهري الناتج عن اختلاف عدد الطبقات في مؤلفاته ضمن وحدة زمنية محددة معلومة،
 باختلاف نوعية المترجمين بين كتاب وآخر.
 وأوضحت بعد ذلك أن فائدة
الترتيب على الطبقات إنما تظهر في العصور الإسلامية الأولى،
 لذلك صرنا لا نشعر بوجود " الطبقة " في كتاب " السير كلما مضى الزمن بالكتاب،
 وضربت لكل ذلك أمثلة من الكتاب تعزز هذه الآراء وتقويها.
وكان لا بد لي، وأنا أبحث في منهج الكتاب،
 أن أتناول طبيعة التراجم المذكورة فيه،
 والأسس التي استند عليها الذهبي في ذكر ترجمة وإسقاط أخرى،
 فأبنت أنه ذكر "الأعلام " وأسقط المشهورين والمغمورين،
 وحاول أن يوجد موازنة بين الأعلام في النوعية والأزمان والأمكنة،
 واجتهد أن يقدم ترجمة كاملة،
 ومختصرة في الوقت نفسه لا تؤثر فيها كمية المعلومات التي تتوافر عنده.
ولما كان الذهبي فنانا تراجميا متميز الأسلوب في صياغة الترجمة وأساليب عرضها،
 فقد حاولت استشفاف منهجه الذي انتهجه في "السير " في هذا المجال.
ثم تناولت بالدراسة منهجه النقدي،
 فوجدته معنيا بكل أنواعه،
 لم يقتصر فيه على مجال واحد من مجالاته،
 فقد عني بنقد المترجمين وتبيان أحوالهم،
 وأصدر أحكاما وتقويمات تاريخية،
 وانتقد الموارد التي نقل منها،
 ونبه إلى أوهام مؤلفيها،
 وبرع في إصدار الأحكام على الأحاديث إسنادا ومتنا،
 وسحب ذلك على الروايات التاريخية.
وحاولت بعد ذلك أن أستبين مدى تعصبه،
 أو إنصافه في النقد،
 فتبين لي، بعد دراستي لجملة من كتاباته،
 أن الرجل قد وفق إلى حد كبير أن يكون منصفا، ونبهت إلى وجوب التفريق بين التعصب وبين الإيمان بالشيء، والدفاع عنه بكل ممكن.
أما أهمية كتاب "السير " فقد اجتهدت أن أستشرفها من دراسة علاقته بكتاب " تاريخ الإسلام " إذ كان قد شاع بين أوساط الدارسين أن " السير "
مختصر من " تاريخ الإسلام "،
 وقد أبانت دراستي للكتابين بطلان هذه الدعوى، ثم تكلمت على أهمية الكتاب في دراسة الحركة الفكرية العربية الإسلامية،
 وأهميته في دراسة المجتمع الإسلامي.
وحاولت بعد ذلك توضيح العوامل التي يسرت ظهور هذا الكتاب محققا بهذه الهيئة العلمية الرائعة، والصفة البارعة النافعة التي تسر كل محب للتراث، حريص عليه.
================================
[الفصل الأول: حياة الذهبي ومنزلته العلمية]
[أولا - بيئة الذهبي ونشأته]
قامت دولة المماليك البحرية على أنقاض الدولة الأيوبية بمصر والشام
 وتمكن المماليك أن يكونوا دولة قوية كان لها أثر في إيقاف التقدم المغولي،
 وتصفية الإمارات الصليبية في بلاد الشام (1) .
وكانت دمشق في نهاية القرن السابع الهجري ومطلع القرن الثامن قد أصبحت مركزا كبيرا من مراكز الحياة الفكرية،
 فيها من المدارس العامرة ودور الحديث والقرآن العدد الكثير،
 عمل على تعميرها حكامها وبعض المياسير من أهلها لا سيما منذ عهد نور الدين زنكي (2) .
وكانت العناية بالدراسات الدينية،
 من تفسير وحديث وفقه وعقائد،
 هي السمة البارزة لهذا العصر، ولم يـعد هناك اهتمام كثير بدراسة العلوم الصرفة التي كانت قد أصبحت من " الصنائع المظلمة " (3) و " الهذيان " (4) .

(1) راجع عن عصر المماليك: الدكتور علي إبراهيم حسن: " دراسات في تاريخ المماليك البحرية "، ط 2 (القاهرة 1948) والدكتور سعيد عاشور: " العصر المماليكي في مصر والشام "، وغيرهما.
والكتاب الأخير أحسن ما كتب في الموضوع.
(2) يتضح ذلك من العدد الذي ذكره النعيمي في كتابه " تنبيه الدارس ".
(3) الذهبي: " تاريخ الإسلام "، الورقة 263 (أيا صوفيا 3008) .
(4) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2، الورقة 4.
=============================================
ثم لا حظنا تباينا شديدا في قيمة الإنتاج الفكري لهذه الفترة وأصالته،
 فوجدنا الكثير من المؤلفات الهزيلة التي لم تكن غير تكرار لما هو موجود في بطون الكتب السابقة،
 ووجدنا القليل من المؤلفات التي امتازت بالأصالة والإبداع والمناهج العلمية المتميزة.
وقد زاد من صعوبة الإبداع أن الواحد من العلماء كان يجد أمامة تراثا ضخما في الموضوع الذي يروم التأليف فيه،
 وهو في وضعه هذا يختلف عن المؤلفين الأولين الذين لم يجابهوا مثل هذا التراث.
وشهدت دمشق في هذا العصر نزاعا مذهبيا وعقائديا حادا،
 كان الحكام المماليك يتدخلون فيه في كثير من الأحيان،
 فيناصرون فئة على أخرى (1) .
وكان الأيوبيون قبل ذلك قد عنوا عناية كبيرة بنشر مذهب الإمام الشافعي، فأسسوا المدارس الخاصة به، وأوقفوا عليها الوقوف (2) .
وعنوا في الوقت نفسه بنشر عقيدة الأشعري، واعتبروها السنة التي يجب اتباعها (3) .
لذلك أصبحت للأشاعرة قوة عظيمة في مصر والشام.
وقد أثر ذلك على المذاهب الأخرى،
 فأصابها الوهن والضعف عدا الحنابلة الذين ظلوا على جانب كبير من القوة،
 وكانت لهم في دمشق مجموعة من دور الحديث والمدارس (4) .
وكان النزاع العقائدي بين الحنابلة والأشاعرة مضطرما،
 زاده اعتماد الحنابلة على النصوص في دراسة العقائد،
 واعتماد الأشاعرة على الاستدلال العقلي والبرهان المنطقي في دراستها (5) .
وبقدر ما ولد هذا التعصب من تمزق في المجتمع، فإنه ولد في الوقت نفسه نشاطا علميا واضحا في هذا المضمار،
 تمثل في الكتب الكثيرة التي ألفت فيه.
كما ظهر تحيز واضح في كثير من كتابات العصر.
وكان الجهل والاعتقاد بالخرافات والمغيبات سائدا بين العوام في المجتمع الدمشقي.
وكان التصوف منتشرا في أرجاء البلاد انتشارا واسعا،
 وظهر بينهم كثير من المشعوذين الذين أثروا على العوام أيما تأثير.
بل عمل الحكام المماليك على الاهتمام بهم،
 وكان لهم اعتقاد فيهم،
 فكان للملك الظاهر بيبرس البندقداري " ت 676 هـ " شيخ اسمه الخضر بن أبي بكر بن موسى العدوي، كان " صاحب حال، ونفس مؤثرة، وهمة إبليسية، وحال كاهني "، وكان الظاهر يعظمه، ويزوره أكثر من مرة في الأسبوع، ويطلعه على أسراره، ويستصحبه في أسفاره لاعتقاده التام به (6) .
وانتشر تقديس الأشياخ، والاعتقاد فيهم، وطلب النذور عند قبورهم،
 بل كانوا يسجدون لبعض تلك القبور، ويطلبون المغفرة من أصحابها (7) .
في هذه البيئة الفكرية والعقائدية المضطربة، ولد مؤرخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله الذهبي في شهر ربيع الآخر سنة 673 (8) .
وكان من أسرة تركمانية الأصل، تنتهي بالولاء


(1) ابن كثير: البداية، 14 / 28، 38، 49، وابن حجر: " الدرر " 1 / 61 وغيرهما.
(2) انظر التفاصيل في كتابنا: المنذري وكتابه " التكملة "، ص 38 فما بعد.
(3) وكان صلاح الدين أشعريا متعصبا كما هو معروف من سيرته.
(4) انظر النعيمي:: " تنبيه الدارس " 2 / 126 29.

(5) أبو زهرة: ابن تيمية، ص 25.
(6) الذهبي: " تاريخ الإسلام " الورقة 36 (أيا صوفيا 3014) .
(7) المصدر نفسه، الورقة 75 (أيا صوفيا 3007) .
(8) انظر مثلا: الذهبي: " طبقات القراء "، ص 549، الصفدي: " الوافي "، 2 / 164، و " نكت الهميان "، ص 242، وذكر ابن حجر أن مولده في الثالث من الشهر المذكور (الدرر، 3 / 426) .
======================================
إلى بني تميم (1) ،
 سكنت مدينة ميافارقين من أشهر مدن ديار بكر (2) .
ويبدو أن جد أبيه قايماز قضى حياته فيها (3) ،
 وتوفي سنة 661 هـ وقد جاوز المئة،
قال الذهبي:
" قايماز ابن الشيخ عبد الله التركماني الفارقي جد أبي.
قال لي ابن عم والدي علي بن فارس النجار: توفي جدنا عن مئة وتسع سنين.
قلت عمر، وأضر بأخرة، وتوفي سنة إحدى وستين وست مئة "(4) ، وكان قد حج (5) .
وكان جده فخر الدين أبو أحمد عثمان أميا لم يكن له حظ من علم،
 قد اتخذ من النجارة صنعة له،
 لكنه كان " حسن اليقين بالله " (6) .
ويبدو أنه هو الذي قدم إلى دمشق،
 واتخذها سكنا له،
 وتوفي بعد ذلك بها سنة 683 هـ وهو في عشر السبعين (7) .
أما والده شهاب الدين أحمد،
 فقد ولد سنة 641 هـ تقريبا،
 وعدل عن صنعة أبيه إلى صنعة الذهب المدقوق، فبرع بها، وتميز، وعرف بالذهبي،
 وطلب العلم،
 فسمع " صحيح البخاري " سنة 666 هـ،
 من المقداد القيسي،

(1) كتب الذهبي بخطه على طرة المجلد التاسع عشر من " تاريخ الإسلام " (نسخة أيا صوفيا 3012) " تأليف محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز مولى بني تميم ".
(2) ياقوت: معجم البلدان، 4 / 703، فما بعد.
(3) لم يذكر الذهبي في نسبته أنه دمشقي، بل قال: " الفارقي "، مما يدل على أنه لم ينتقل إلى دمشق.
وذكر الدكتور صلاح الدين المنجد في مقدمة الجزء الذي طبعه من " سير أعلام النبلاء " أن قايماز هو الذي قدم دمشق، وأشار إلى معجم الشيوخ، ولم نجد لذلك دليلا في مصدره 1 / 15 وانظر معجم الشيوخ (م 1 الورقة 89) .
(4) الذهبي: أهل المئة فصاعدا، ص 137، و " معجم الشيوخ "، م 1 ورقة 89.
(5) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 ورقة 89.
(6) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 1 ورقة 89.
(7) المصدر نفسه.
====================================
وحج في أواخر عمره،
 وكان دينا يقوم من الليل (1) .
وقد يسرت له صنعته رخاء وغنى،
 فأعتق من ماله خمس رقاب (2) ،
 وتزوج من ابنة رجل موصلي الأصل هو علم الدين أبو بكر سنجر بن عبد الله عرف بغناه،
 وكان " خيرا عاقلا مديرا للمناشير بديوان الجيش..وخلف خمسة عشر ألفا " (3) من الدنانير،
 وأحله علمه وغناه ومروءته مكانا جعلت خلقا من أهل دمشق يشيعونه يوم وفاته في آخر جمادى الأولى سنة 697 هـ،
يؤمهم قاضي القضاة يومئذ عز الدين ابن جماعة الكناني (4) .
وعرف محمد بابن الذهبي، نسبة إلى صنعة أبيه، وكان هو يقيد اسمه " ابن الذهبي " (5) .
ويبدو أنه اتخذ صنعة أبيه مهنة له في أول أمره، لذلك عرف عند بعض معاصريه ب " الذهبي " مثل الصلاح الصفدي (6) ، وتاج الدين السبكي (7) ، والحسيني (8) ، وعماد الدين ابن كثير (9) ، وغيرهم.

(1) الذهبي: " تاريخ الإسلام " (وفيات 697) نسخة أيا صوفيا 3014، و " معجم الشيوخ "، م 1 ورقة 13، والصفدي: " الوافي "، م 7 ورقة 86.
(2) كان من بينهم فك أسر امرأتين من أسر الفرنجة من عكا (انظر المصادر في الهامش السابق) .
(3) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 ورقة 55 وتوفي سنة 686.
(4) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 13.
(5) ونسبة ب " ابن الذهبي " مقيدة بخطه في معظم الكتب والطباق التي بخطه مثل طبقة سماع كتاب أهل المئة فصاعدا (ص 111 بتحقيقنا) ، وطرر المجلدات التي وصلت بخطه من " تاريخ الإسلام " (نسخة أيا صوفيا) وطبقة سماع لكتاب " الكاشف " له (نسخة التيمورية رقم 1936) وجاء في أول " معجم شيوخه ": " أما بعد، فهذا معجم العبد المسكين محمد بن أحمد..ابن الذهبي ".
(6) " الوافي "، 2 / 163 و " نكت الهميان "، ص 241.
(7) " طبقات الشافعية الكبرى " 9 / 100.
(8) " ذيل تذكرة الحفاظ "، ص 34.
(9) " البداية والنهاية "، 14 / 225.
============================================
وعاش طفولته بين أكناف عائلة علمية متدينة،
 فكانت مرضعته وعمته ست الأهل بنت عثمان،
 الحاجة أم محمد،
 قد حصلت على الإجازة من ابن أبي اليسر،
 وجمال الدين بن مالك،
 وزهير بن عمر الزرعي،
 وجماعة آخرين،
 وسمعت من عمر بن القواس وغيره،
 وروى الذهبي عنها (1) .
وكان خاله علي قد طلب العلم،
 وروى عنه الذهبي في " معجم شيوخه "، وقال:
" علي بن سنجر بن عبد الله الموصلي، ثم الدمشقي الذهبي الحاج المبارك أبو إسماعيل خالي.
مولده في سنة ثمان وخمسين وست مئة.
وسمع بإفادة مؤدبه ابن الخباز من أبي بكر ابن الأنماطي، وبهاء الدين أيوب الحنفي، وست العرب الكندية.
وسمع معي ببعلبك من التاج عبد الخالق وجماعة.
وكان ذا مروءة وكد على عياله وخوف من الله.
توفي في الثالث والعشرين من رمضان سنة ست وثلاثين وسبع مئة "(2) .
وكان زوج خالته فاطمة، أحمد بن عبد الغني بن عبد الكافي الأنصاري الذهبي، المعرف بابن الحرستاني، قد سمع الحديث، ورواه، وكان حافظا للقرآن الكريم، كثير التلاوة له، وتوفي بمصر سنة 700 (3) هـ.
وطبيعي أن تعتني مثل هذه العائلة المتدينة التي كان لها حظ من العلم بأبنائها،
لذلك وجدنا أخاه من الرضاعة علاء الدين أبا الحسن علي بن إبراهيم بن داود بن العطار الشافعي: " 724 654 هـ " (4) يسرع، ويستجيز

(1) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 ورقة 57، ولدت سنة الأهل سنة 653 هـ وتوفيت سنة 729 هـ.
(2) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 2 ورقة 6.
(3) المصدر السابق، م 1 ورقة 12.
(4) الذهبي: " ذيل العبر "، ص 136، و " معجم الشيوخ " م 2 ورقة 1، ابن كثير: = سير 1 / 2
= " البداية "، 14 / 117، ابن حجر: " الدرر "، 3 / 74 73، النعيمي: " تنبيه الدارس "، 1 / 70 68، 99، 112.
ورأينا لأبي الحسن ابن العطار هذا رسالة في السماع في خزانة كتب جستربتي بدبلن ضمن مجموع برقم 3296.
==========================================
للذهبي جملة من مشايخ عصره في سنة مولده (1) منهم من دمشق:
 أحمد بن عبد القادر، أبو العباس العامري " 673 609 هـ " (2) ،
 وابن الصابوني " 680 604 هـ " (3) ،
 وأمين الدين ابن عساكر " 686 614 هـ " (4) ،
 وجمال الدين ابن الصيرفي " 678 583 هـ " (5) .
ومن حلب:
أحمد بن محمد ابن النصيبي " 692 609 هـ " (6) ، 
ومن مكة:
الإمام محب الدين الطبري محدث الحرم ومفتيه " 694 615 هـ " (7) ، وغيره (8) .
ومن المدينة:
كافور بن عبد الله الطواشي (9) .
ويبدو أن علاء الدين ابن العطار قد حج في تلك السنة (10) فحصل بعض الإجازات من مكة والمدينة.
وذكر ابن حجر أن الذين أجازوه في هذه السنة " جمع جم (11) "
وقال في ترجمة ابن العطار:

(1) ابن حجر: " الدرر "، 3 / 426.
(2) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 12.
(3) المصدر السابق، م 2 الورقة 55.
(4) المصدر السابق، م 1 الورقة 80.
(5) المصدر السابق، م 2 الورقة 87.
(6) المصدر السابق، م 1 الورقة 18.
(7) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م الورقة 8.
(8) انظر مثلا: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 90، م 2 الورقة 6، 31، 60 59، 88، وابن حجر: " الدرر "، 3 / 436.
(9) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 26.
(10) المصدر السابق، م 2 الورقة 60 59.
(11) ابن حجر: " الدرر "، 3 / 426.
========================================
 " وهو الذي استجاز للذهبي سنة مولده، فانتفع الذهبي بعد ذلك بهذه الإجازة انتفاعا شديدا " (1) .
ويمضي الطفل إلى أحد المؤدبين هو علاء الدين علي بن محمد الحلبي المعروف بالبصبص،
 وكان من أحسن الناس خطا،
 وأخبرهم بتعليم الصبيان،
 فيقيم في مكتبه أربعة أعوام (2) ،
 وفي أثناء ذلك كان جده عثمان يدمنه على النطق بالراء يقوم بذلك لسانه (3) .
ولا نعرف في أية سنة ترك المكتب،
 ولكنه كان في سنة 682 هـ،
 لم يزل عنده حيث أنشده في هذه السنة شعرا لأبي محمد القاسم الحريري (4) .
وقد اتجه الذهبي بعد ذلك إلى شيخة مسعود بن عبد الله الصالحي،
 فلقنه جميع القرآن،
 ثم قرأ عليه نحوا من أربعين ختمة،
 وكان الشيخ مسعود إمام مسجد الشاغور،
 وكان خيرا متواضعا برا بصبيانه،
 لقن خلقا.
وتوفي سنة 720 هـ (5) .
وبدأ الصبي بالحضور إلى مجالس الشيوخ ليسمع كلام بعضهم (6) .
ولما قدم عز الدين الفاروثي، عالم العراق، إلى دمشق سنة 690 هـ،
 ذهب الفتى وسلم عليه،
 وحدثه (7) ،
 مما يدلل على حبه للعلم والعلماء منذ الصغر.

(1) المصدر السابق، 3 / 73.
(2) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 11.
(3) المصدر السابق، م 1 الورقة 89.
(4) المصدر السابق، م 2 الورقة 11 ومات مؤدبه في حدود سنة 690 هـ.
(5) الذهبي: " معجم الشيوخ، م 2 الورقة 78.
(6) المصدر السابق، م 2 الورقة 58.
(7) الذهبي: " معرفة القراء "، ص 544. وتوفي الفاروثي سنة 694 هـ.
===========================================
[ثانيا - بدء عنايته بطلب العلم]
بدأ الذهبي يعتني بطلب العلم حينما بلغ الثامنة عشرة من عمره،
وتوجهت عنايته إلى ناحيتين رئيستين هما: القراءات،
 والحديث الشريف.
أ - القراءات:
اهتم الذهبي بقراءة القرآن الكريم،
 والعناية بدراسة علم القراءات،
 فتوجه سنة 691 هـ هو ورفقة له، إلى شيخ القراء جمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن داود العسقلاني، ثم الدمشقي، المعروف بالفاضلي، فشرع عليه بالجمع الكبير (1) ،
 وكان الفاضلي قد صحب الشيخ علم الدين السخاوي المتوفى سنة 643 هـ،
 وهو الذي انتهت إليه رياسة الإقراء في زمانه (2) ،
 وجمع عليه القراءات السبع،
 وتصدر للإقراء بتربة أم الصالح،
 ولكنه أصيب بطرف من الفالج، فكان يقرئ في بيته وينتهي الذهبي عليه إلى أواخر سورة القصص،
 ويزداد الفالج على الشيخ،
 فيمنع الطلبة من الدخول عليه،
 ثم يموت سنة 692 هـ، وتظل قراءة الذهبي على الفاضلي ناقصة (3) .
ولكنه كان في أثناء شروعه بالجمع الكبير على الفاضلي، قد شرع في الوقت نفسه يقرأ بالجمع الكبير على الشيخ جمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن غالي المقرئ الدمشقي " ت 708 (4) هـ ".
 وقرأ ختمة جامعة لمذاهب القراء

(1) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 27، " ومعرفة القراء "، ص 562 - 563 ابن الجزري: " غاية "، 2 / 71.
(2) سبط ابن الجوزي: " مرآة "، 8 / 758، القفطي: " إنباه "، 2 / 311، الحسيني: " صلة التكملة "، (وفيات 643) ، الذهبي: " العبر "، 5 / 178، ابن كثير: " البداية "، 13 / 17، ابن الجزري: " غاية " 1 / 568.
(3) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 27، و " معرفة القراء "، ص 563 562، 576، 592.
(4) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 30، و " معرفة القراء "، ص 576.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفسير الميزان| الطباطبائي| سورة الفاتحة

في ظلال القرآن | سيد قطب| المقدمة