جمهرة مقالات الشيخ أحمد محمد شاكر | طلائع الجمهرة | عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن حماد العقل


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
طلائع الجَمْهَرة
الحمد لله القاهر فوق عباده، 
بيده ملكوت السموات والأرض، 
لا إله إلا هو الكبير المُتعال. 
وصلى الله على البشير الدَّاعينا بترغيبه إلى جنته، 
والنذير المُبْعِدِنا بترهيبه عن ناره 
صلاةً تُبْلِغُنا رضاه سبحانه، 
وتحفُّنَا برَفْرَف رحمته يوم لا ظل إلا ظله، 
وتُصّفي كَدَرَ أعمالنا يومَ لا يشفع شافع إلا من بعد إذنه، 
وهو الغفور الرحيم، 
يُقيل عثرة عباده برأَفته، 
ويتغَّمد إساءتهم بإحسانه.
وبعد، 
فقد كان العلّامة المصري 
الشيخ أحمد محمد شاكر مُتفننًا وعالمًا مُبرَّزًا في علوم كثيرة؛ 
فهو إمام أهل عصره في علم الحديث، 
وفقيه مجتهد، 
ومُفسر رَكين، 
وعالم باللغة، 
وبحاثّة ثَبْت مع فكر درّاك وعلم واسع، 
وريادة فذّة في ميدان تحقيق التراث ونشره.

وقد انتقل إلى رحمة الله في 
يوم السبت 
26 من ذي القعدة سنة 1377 هـ 
الموافق 14 من يونيه سنة 1958 م، 
ومضت الأيام، 
وصَمَتَ أصدقاؤه وتلاميذه ومحبوه فلم يخصوه بدراسة جَادّة، 
وظَلّ تراثه العلمي مُوزعًا في تَضاعيف المجلات والدوريات المختلفة 
مع نُدرته ونَفَاسته، 
واحتفاء العلماء بآراء الشيخ أحمد شاكر وتحقيقاته واضح كل الوضوح، 
ومع ذلك أطبقوا على العقوق، 
فلم يقضوا حق العلم والتاريخ .
--------
حين ذلك صحَّت عزيمتي على جمع مقالات العلّامة أحمد محمد شاكر ونشْرها أداءً لهذا الدين. 
وجَعلْتُ بين يدي هذه المقالات ترجمة لحياته الشخصية ومسيرته العلمية. 
وقد رَتبتُ المقالات ترتيبًا موضوعيًا، 
على نحو ما يلي:
° تحقيق الترات.
° التعريف بالكتب.
° نقد الكتب والمقالات.
° بين أحمد شاكر وحامد الفقي.
° الدفاع عن الحق.
° مسائل علمية.
° تراجم وأعلام.
° مناسبات.
وختمت الكتاب: 
بأهم تعقبات الشيخ على دائرة المعارف الإسلامية، 
وهذه الدائرة موسوعة علميّة 
كتبها لفيف من المستشرقين، 
رُتبت موادها على حروف المعجم، 
واشتملت على ألوان متفرقة من العلوم.
وكان للمستشرقين فيها مغالطات ظاهرة، 
وشُبه وسموم نثروها في تضاعيف هذه الدائرة، 
وقد شارك الشيخ أحمد شاكر في التعقيب والمناقشة ودفع الشبه ما أمكن. 
ورغبتُ في إلحاقها بالمقالات لأَهميتها وغفلة أهل العلم عنها.
================
الحقّ أنّ الشيخ أحمد شاكر حَمَلَ أمانة هذا القلم وصدع بالحق في غير جَمْجَمَة ولا إدْهان 
فصال وجال في الدفاع عن العربية والإسلام؛ 
قاوم الدعوة إلي كتابة اللغة العربية بحروف اللاتينية، 
وقاوم دعاة التجديد من شُذّاذ الآفاق، 
أولئك الذين يأتون كل حين
--------
ببدعة يزينونها 
ويزعمون أنّ بها نجاح العرب والمسلمين؛ 
بدعة التبرج والسفور، 
وبدعة العامية، 
وبدعة اللادينية، 
والانبهار الأعمى بكل ما هو غربي، 
وكم ذا شغلت هذه البدع 
ـ وأمثالُها كثير ـ 
هذا الشرقَ المستبَدَّ به عن مطامحه العليا، 
وأضاعت من مجهوداتٍ جليلةٍ هي ذَوْب القلوب الملتاعة، 
وحرارة الإيمان الصادق؟
وهذا الرجل الفذّ نَسِيج وحْدِه 
فقد كانت جهوده في نشر التراث بَعْثًا جديدًا لذخائر الأمة 
وإحياءً لثمرات عقولها، 
ويلحظ المُتَتبَّع لجهوده أن له يدًا باسطة في غير عِلْمٍ من عُلومِ الثقافةِ العربيةِ الإسلاميةِ 
من فقهٍ وأصولٍ وتفسيرٍ وحديثٍ وعربيةٍ.
ويوم أن مضى أحمد شاكر لِطَيَّتِه توجّع أخوه محمود شاكر لفقده، 
وقد كان شريكه ودليله في تحقيق تفسير الطبري، 
فكتب كلمة عالية تفيضُ صدقًا وإحساسًا: 
"وبعد، فقد أبليت شبابي وصدرًا من كُهُولتِي، 
وأخي يومئذٍ رُكنٌ من العلم باذخٌ، 
آوي إليه إذ حزبني أمرٌ، 
أو ضاقَ عليَّ مسلك. 
فأصبحت فإذا الركنُ قد سَاخَ، 
وإذا أنا قد أُفْرِدْتُ إفرادَ الساري في فَلاة بغير دليلٍ. 
كان نُورًا يضيءُ الطريق، 
فلما طَفِئَ، أصبحتُ في ظلماءَ يَنهاني سوادُها أن أسير.
وكنتُ أعمل في هذا التفسير وحدي بعيدًا عنه، 
هكذا كان. 
لم يكن يشاركني في قراءة نَصَّه، 
ولا في كشف مُبْهمِه، 
ولا في تقويم ما اعوَجَّ من نَهْجِه، 
ولا في تخِريج ما تولَّيتُه من رواية حديثه. 
وَقَضيتُ دهرًا وأنا أظنُّ أنَّ الأمر كُلَّه ثَمرةُ جُهْدي وعملي! ! 
فلمَّا قبضَ الله عبدَه الصالحَ 
- رحمة الله عليه - 
وبقيتُ أيضًا أعمل وَحدي بعيدًا عنه أيَّ بُعْدٍ! ! فعندئذٍ وجَدتُ مَسَّ الحقَّ في فقده، 
وإذا هو كانَ يكون مَعِي وإن خِلْتُه بعيدًا، 
وكانَ يكونُ مُعيني وإن لم أسْتَعِنْه، 
وكان يكون نورَ طَريقي، 
وإن خلتُ الطريقَ مُضيئًا من ذات نَفْسِه!
فأَيُّ هَدْي طُمِس عنَّي بفقْدِك! 
وأَيُّ دليلٍ نأى عنِّي برحيلك! 
وأَي نورٍ غارَ عني بغيابِك! وأَيُّ حُزْنٍ بَقِي لي بفَنائِك! فيا ابنَ أبي وأمَّي:
لَوْ كَانَ يُنجِي من الرَّدَى حَذَرُ 
... 
نَجَّاكَ مِمَّا أصابَكَ الحَذَرُ
يَرْحَمُكَ الله من أَخِي ثِقةٍ 
... 
لمَ يْكُ في صَفْوِ وُدَّهِ كَدَرُ
 
فَهَكَذَا يَذْهَبُ الزَّمَانُ ويَفْنَى العِلمُ فِيِه وَيدْرُسُ الأَثَرُ" 

(1)

(١) انظر: 
مقدمة محمود شاكر لتفسير الطبري الجزء الرابع عشر 
وسيظل هذا الرجل أثرًا ضخمًا في ضمير هذه الأمة بما أسداه للعربية والإسلام من آثار علمية ذاهبة في الندرة والنفاسة، 
وجهاد صادق في الدفاع عن الحق.
 
رحمك الله يا أبا الأشبال رحمة واسعة، 
وبَرَّدَ مضجعك، 
وجعلَ ما قدمته في ميزان حسناتك يوم تلقاه.
أسأل الله أن يمهد لي طريق الصواب، 
وأن يغفر لي زلتي، 
وأن يعينني بحوله وقوته، 
فقد برئت إليه سبحانه من كل حول وقوة، 
وهو وحده المستعان، 
وله الحمد والمنة، 
ومنه الجزاء والثواب، 
وإليه المرجع والمآب.
عبد الرحمن بن عبد العزيز بن حمَّاد العقل
--------

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفسير الميزان| الطباطبائي| سورة الفاتحة

في ظلال القرآن | سيد قطب| المقدمة