تاج العروس | شرح القاموس| مرتضى الزبيدي


بسم الله الرحمن الرحيم 
أحْمَدُ مَنْ قَلَّدَنا مِنْ عِقْد صِحاح جَوْهرِ آلائه، 
وأوْلانا من سَيْب لُباب مُجمَل إحسانه وإعطائه، 
وأفاض علينا من قاموس بِرِّه المُحيط فائقَ كَرَمهِ وباهرَ إسدائه، 
وأشهد أن لا إله إِلاَّ الله وحده لا شريك له 
شهادةً يورِدنا صدقُ قولِها المأنوسِ مَوْرِدَ أحبابِه ومَشارِبَ أصفيائه 
وأشهد أن سيّدنا ومولانا محمداً 
السيِّدَ المُرتَضى، 
والسَّنَد المُرتَجى، 
والرسولَ المُنْتَقَى، 
والحبيبَ المجتَبَى، 
المصباحُ المضيءُ المزهِر 
بمِشكاة السرِّ اللامع المَعْلَمِ العُجاب، 
والصُّبحُ اللامع المُسفِرُ عن خَبايا أسرارِ ناموسِ الصِّدق والصَّواب، 
مُستقْصى مَجمَعِ أمثال الحِكَم 
بل سِرّ ألِفْ با في كلِّ بابٍ وكتاب، 
والأساس المُحكم بتهذيب مَجدِه المتلاطِم العُباب، 
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحْبٍ وآل، 
مَطالعِ العزّ الأبديّ من موارِد الفخْر والكمال، ومشارِقِ المجد والجَلال، 
ما أعرَب المُعرِب عن كلِّ مُغْرِب، 
وسَحَب ذيْلَ إعجازِه على كُل مُسْهِب، 
ونطقَ لسانُ الفصيحِ في نهاية جمهرةِ مَجدِهم الصريحِ المُرقِص المُطربِ، 
وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
وبعد 

فإن التصنيف مِضمارٌ 
تنصبُّ إليه خَيلُ السِّباق 
من كلّ أوْب ثمَّ تَتجارى، 
فمِن شاطٍ بَعيد الشأْوِ، 
وساعِ الخَطْو، 
تَشخَص الخيلُ وراءه 
إلى مُطهَّم سَبَّاقٍ 
في الحَلْبَة ميفاءٍ على القَصَبة، 
ومن لاحقٍ بالأُخريات، 
مُطَّرَح خلْف الأعقاب، 
مَلطومٍ عن شَقِّ الغُبارِ، 
موسوم بالسُّكَّيت المخلَّف، 
ومن آخذٍ في القَصْدِ، 
مُتنزّل سِطَةَ ما بينهما، 
قد انحرف عن الرَّجَوَيْنِ، 
وجال بين القُطرَيْن، 
فليس بالسَّبَّاق المُفرِط، 
ولا اللاحق المُفرِّط. 
وقد تصدَّيتُ للإنصباب في هذا المِضمار 
تَصَدِّيَ القاصِد بِذَرْعِه، 
الرّابِع على ظَلْعِه، 
فتدبَّرتُ فُنونَ العِلم 
التي أنا كائنٌ بصَدَدِ تكميلِها، 
وقائمٌ بإزاء خِدْمَتِها وتَحصيلها، 
فصادفتُ أصْلَها الأعظم 
الذي هو اللغةُ العربيَّةُ 
خليقةً بالمَيْلِ في صَغْو الاعتناءِ بها، 
والكدْح في تقويمِ عِنادِها، 
وإعطاءِ بَداهَةِ الوَكْدِ وعُلالَته إياها.
وكان فيها كتابُ 

القاموس المحيط، 
للإمام مَجْدِ الدين الشِّيرازيّ 
أجلَّ ما أُلّف في الفن، 
لاشتماله على كلِّ مُستحسَن، 
من قُصارى فصاحةِ العَرَبِ العَرْباء، 
وبيضةِ منطِقها وزُبدة حِوارِها، 
والرُّكْنَ البديع إلى ذَرابة اللسان 
وغَرابَةِ اللَّسَن، 
حيث أوْجَزَ لفظَه 
وأشْبَعَ معناه، 
وقَصَّرَ عِبارَته 
وأطال مَغْزاه، 
لَوَّح فأغْرَقَ في التصريح، 
وكَنى فأغنى عن الإفصاح، 
وقَيَّدَ من الأوابد ما أعرض، 
واقتنصَ من الشوارد ما أكثب، 
إذا ارتبط في قَرَنِ تَرتيب حروف المعجم ارتباطاً 
جنحَ فيه إلى وَطْءِ مِنهاجٍ أبْيَنَ من عَمود الصُّبح، 
غيرَ مُتجانفٍ للتطويل عن الإيجاز، 
وذلك أنه بَوّبَه 
فأورَد في كلِّ بابٍ من الحروف 
ما في أوّله الهمز، 
ثمَّ قَفَّى على أثره 
بما في أوّله الباء، 
وهَلُمّ جَرًّا، 
إلى منتهى أبوابِ الكِتاب، 
فقدم في باب الهمزة إيّاها مع الألف عليها مع الباء، 
وفي كلّ بابٍ إياها مع الألفِ على الباءَين، 
وهلُمَّ جرًّا، 
إلى مُنتَهى فصولِ الأبواب، 
وكذلك راعى النَّمط في أوساطِ الكَلِم وأواخرِها، 
وقدّم اللاحِقَ فاللاحق.
ولعَمْري هذا الكتابُ 

إذا حوضِر به في المَحافل فهو بَهاءٌ، 
وللأفاضل متى ورَدوه أُبَّهَة، 
قد اخترق الآفاقَ مُشرِّقاً ومُغَرِّباً، 
وتدارك سَيرُه في البلاد مُصَعِّداً ومُصَوِّباً، 
وانتظم في سلك التذاكِر، 
وإفاضَةِ أزْلامِ التناظُر، 
ومَدّ بحرَه الكامِل البَسيط، 
وفاض عُبابُه الزاخِر المُحيط، 
وجَلَّت مِنَنُه عند أهل الفنّ وبُسِطَتْ أياديه، 
واشتهر في المدارِس اشتهارَ 
أبي دُلَفَ بين مُحتضَرِه وباديه، 
وخفّ على المدرِّسين أمْرُه إذْ تَناولوه، 
وقَرُب عليهم مأخَذُه فتداوَلوه وتَناقَلوه.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ولما كانَ إبرازُه في غاية الإيجاز، 
وإيجازه عن حدِّ الإعجاز، 
تَصدَّى لكشف غوامضه ودقائقه 
رجالٌ من أهل العلم، 
شكر الله سَعْيَهم، 
وأدامَ نَفْعَهم، 
فمنهم من اقتصر على شرح خُطبته 
التي ضُرِبت بها الأمثال، 
وتداولها بالقَبولِ أهلُ الكَمال، 
كالمُحِبِّ ابنِ الشِّحنة، 
والقاضي أبي الروح 
عيسى ابن عبد الرحيم الكَجَراتي، 
والعَلاَّمة ميرزا علي الشّيرازيّ، 
ومنهم من تَقيَّد بسائر الكتاب، 
وغرَّدَ على أفنانِه طائرُه المُستطاب، 
كالنُّور علىِّ بن غانم المقدسيّ، 
والعلاّمة سَعدي أفندي، 
والشيخ أبي محمد عبد الرءوف المَناويّ، 
وسمّاه القوْلَ المأنوس 
وَصَل فيه إلى حرف السين المهملة، 
وأحيا رُفاتَ دارِس رُسومِه المُهملة، 
كما أخبرني بعضُ شُيوخ الأوان، 
وكم وجَّهْت إليه رائد الطلب، 
ولم أقِف عليه إلى الآن، 
والسيّد العلامة فخر الإسلام 
عبد الله، 
ابن الإمام شرف الدين الحَسني 
مَلك اليَمن، 
شارح نظام الغريب 
المتوفّي بحِصن ثُلا، 
سنة 973، 
وسماه كَسْر الناموس.
والبدْر محمد بن يحيى القَرافي، 

وسماه بهجة النفوس، 
في المُحاكمة بين الصّحاح والقاموس 
جمعها من خُطوط 
عبد الباسط البَلْقينيّ 
وسَعدي أفندي، 
والإمام اللغوي 
أبي العباس 
أحمد بن عبد العزيز الفَيْلالي، 
المتشرّف بخلْعة الحياة حينئذ، 
شرحه شرحاً حسَناً، 
رَقى به بين المحقّقين المقامَ الأسنى، 
وقد حدَّثنا عنه بعضُ شيوخنا.
 

 ومن أجمع ما كُتِب عليه مما سمعتُ ورأيتُ 
شرحُ شيخنا الإمام اللغويّ 
أبي عبد الله محمد بن الطَّيِّب بن محمد الفاسيّ، 
المتولّد بفاس سنة 1110، 
والمتوفّي بالمدينة المنوَّرة سنة 1170، 
وهو عُمدتي في هذا الفنّ، 
والمقلِّد جيدي العاطل بِحُلى تقريرِه المستحسن، 
وشَرحُه هذا عندي في مجلّدين ضخمين.
ومنهم كالمستدرك لما فات، 

والمُعترِض عليه بالتعرُّضِ لما لم يأت، 
كالسيد العلامة 
عليّ بن محمد مَعصوم الحُسيني الفارسيّ، 
والسيد العلامة محمد بن رَسول البَرَزنجيّ، 
وسماه رجل الطاووس، 
والشيخ المَناويّ في مجلّد لطيف، 
والإمام اللغوي 
عبد الله بن المَهديّ بن إبراهيم بن محمد بن مسعود الحواليّ الحِميريّ، 
الملقب بالبحر، 
من علماء اليمن، 
المتوفي بالظهرين من بلاد حَجَّة 
سنة 1061، 
استدرك عليه وعلى الجوهريّ في مجلد، 
وأتهَم صيتَه وأنجد، 
وقد أدركه بعض شيوخ مشايخنا، 
واقتبس من ضوء مشكاته السنا، 
والعلامة ملاّ علي بن سلطان الهروي 
وسماه الناموس، 
وقد تكفل شيخُنا بالرّدّ عليه، 
في الغالب، 
كما سنوضحه في أثناءِ تحرير المطالب، 
ولشيخ مشايخنا 
الإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد المسناوِيّ 
عليه كتابةٌ حسنة، 
وكذا الشيخ ابن حجر المكّيّ 
له في التحفة مناقشات معه وإيرادات مستحسنة، 
وللشهاب الخَفاجي 
في العناية محاورات معه ومطارحات، 
ينقل عنها شيخنا كثيراً في المناقشات، 
وبلغني أن البرهان إبراهيم بن محمد الحلبي المتوفي سنة 900، 
قد لخّص القاموس في جزءٍ لطيف.
وأيم الله إنه لمَدْحضَة الأرْجُل، 

ومخبَرة الرِّجال، 
به يتخلّص الخبيثُ من الإبريز، 
ويمتاز الناكِصون عن ذوي التبريز. 
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
فلما آنست من تَناهي فاقَةِ الأفاضل إلى استكشافِ غوامِضه،
 والغَوْص على مُشكِلاتِه، 
ولا سيّما من انتدب منهم لتدريس علم غريب الحديث، 
وإقراء الكُتب الكبار من قوانين العربية في القديم والحديث، 
فَناط به الرغبةَ كلُّ طالب،
 وعشا ضوءَ نارِه كلُّ مُقتبِس، 
ووجّه إليه النُّجعةَ كلُّ رائدِ، 
وكم يتلقّاك في هذا العصرِ
 الذي قَرِعَ فيه فِناءُ الأدب، 
وصَفر إناءه، 
اللهم إِلاَّ عن صَرِمَة لا يُسْئِر منها القابِض، 
وصُبابة لا تَفْضُل عن المُتبرِّض 
من دَهْماءِ المنتحلين 
بما لم يُحسنوه، 
المتشبِّعين بما لم يَملِكوه، 
من لو رجعْتَ إليه في كَشْفِ إبهام مُعضِلةٍ 
لَفتَلَ أصابِعه شَزْراً، 
ولاحمرَّت ديباجَتاه تَشرُّراً، 
أو تَوقَّح فأساءَ جابةً، 
فافتضح وتكشف عَواره، 
قرَعْتُ ظُنبوب اجتهادي، 
واستسعَيْتُ يَعْبوب اعتنائي، 
في وضع شرحٍ عليه، 
ممزوجِ العبارة، 
جامعٍ لموادّه 
بالتصريح في بعضٍ 
وفي البعض بالإشارة، 
وافٍ ببيان ما اختلَف من نُسخه، 
والتصويب لما صحّ منها من صحيح الأُصول، 
حاوٍ لذِكْر نُكَتِه ونوادرِه، 
والكشفِ عن معانيه والإنباه عن مَضارِبه ومآخذه بصريح النُّقول، 
والتقاطِ أبياتِ الشواهد له، 
مستمدًّا ذلك من الكتب التي يَسَّر الله تعالى بفضلِه وُقُوفي عليها، 
وحَصل الاستمدادُ عليه منها، 
ونقلْتُ بالمباشرة لا بالوسائط عنها، 
لكن على نُقصانٍ في بعضها نقصاً متفاوتاً بالنسبة إلى القلة والكثرة، 
وأرجو منه سبحانه الزيادةَ عليها.
فأوّل هذه المصنفات وأعلاها عند ذَوي البراعة وأغلاها 

كتابُ الصحاح 
للإمام الحجة أبي نصر الجوهري، 
وهو عندي في ثَماني مجلداتٍ، 
بخط ياقوت الرومي، 
وعلى هوامشه التقييدات النافعة 
لأبي محمد بن بَرِّيّ، وأبي زكريا التّبريزيّ، 
ظفرت به في خِزانة الأمير أَزبك. 
والتهذيب 
للإمام أبي منصور الأزهريّ 
في ستة عشر مجلداً. 
والمُحكم 
لابن سيده 
في ثمان مجلّدات. 
و تهذيب الأبنية والأفعال 
لأبي القاسم ابن القطاع، 
في مجلدين.
ولسان العرب 

للإمام جمال الدين محمد بن مُكرّم بن عليٍّ الإفريقي، 
ثمان وعشرون مجلداً، 
وهي النسخة المنقولة من مُسَوَّدة المصنف في حياته، 
التزم فيه الصحاح، والتهذيب، والمحكم، والنهاية، وحواشي ابن بَرّيّ، والجمهرة لابن دريد
وقد حدّث عنه الحافظانِ 
الذهبيُّ والسُّبكيُّ، 
ولد سنة 630 
وتوفي سنة 711.
وتهذيب التهذيب 

لأبي الثناء محمود ابن أبي بكر بن حامد التّنوخيِّ الأرْمَوِيّ الدِّمشقيّ الشافعيّ، 
في خمس مجلدات، 
وهي مسوّدة المصنف، 
من وقف السميساطية بدمشق، 
ظفرت بها في خِزانة الأشرف بالعبرانيين، 
التزم فيه: 
الصحاح والتهذيب، والمحكم، 
مع غاية التحرير والضبط المُحكم، 
وقد حدّث عنه الحافظ الذهبيُّ، 
وترجمه في مُعجم شُيوخه، 
ولد سنة 647 
وتوفي سنة 723.
وكتاب الغَريبين 

لأبي عُبيد الهَرَويّ. 
والنهاية في غَريب الحديث 
لابن الأثير الجَزريّ. 
وكفاية المتحفّظ 
لابن الأجدابيّ 
وشروحها. 
وفصيح ثعلب، 
وشروحه الثلاثة: 
لأبي جعفر اللبليّ، 
وابن درستويه، 
والتدميري. 
وفقه اللغة، 
والمضاف والمنسوب، 
كلاهما لأبي منصور الثعالبي. 
والعباب والتكملة على الصحاح، 
كلاهما للرضيّ الصاغانيّ، 
ظفرت بهما في خزانة الأمير صرغتمش. 
 و المصباح المنير في غريب الشرح الكبير
و التقريب 
لولده المعروف بابن خطيب الدَّهْشة. 
و مختار الصحاح 
للرازيّ. 
و الأساس والفائق والمستقصَى في الأمثال، 
الثلاثة للزمخشريّ. 
و الجمهرة لابن دريد،
 في أربع مجلدات، 
ظفرت بها في خِزانة المؤيّد.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
و إصلاح المنطق 
لابن السكّيت، 
و الخصائص 
لابن جنيّ، 
و سر الصناعة 
له أيضاً. 
والمُجمل 
لابن فارس. 
و إصلاح الألفاظ 
للخطّابي. 
و مشارق الأنوار 
للقاضي عياض. 
والمطالع 
لتلميذه ابن قرقول، 
الأخير من خزانة الديري. 
وكتاب أنساب الخيل 
وأنساب العرب 
واستدراك الغلط، 
الثلاثة لأبي عُبيد القاسم بن سلام. 
وكتاب السرج واللجام والبيضة والدرع، 
لمحمد بن قاسم بن عزرة الأزدي. 
وكتاب الحمام والهدى 
له أيضاً. 
وكتاب المعرّب 
للجواليقي، 
مجلد لطيف، 
ظفرت به في خِزانة الملك الأشرف قايتباي، 
رحمه الله تعالى. 
والمفردات 
للراغب الأصبهاني، 
في مجلد ضخم. 
ومشكل القرآن 
لابن قتيبة. 
وكتاب المقصور والممدود، 
وزوائد الأمالي، 
كلاهما لأبي علي القالي. 
وكتاب الأضداد 
لأبي الطيّب عبد الواحد اللغويّ. 
والروض الأُنف، 
لأبي القاسم السُّهيلي، 
في أربع مجلدات. 
وبغية الآمال في مستقبلات الأفعال، 
لأبي جعفر اللبليّ. 
والحجة في قراآت الأئمة السبعة 
لابن خالويه. 
والوجوه والنظائر 
لأبي عبد الله الحسين بن محمد الدامغانيّ. 
وبصائر ذوي التمييز في لطائف كتاب الله العزيز، 
والبُلغة في أئمة اللغة، 
وترقيق الأسل في تصفيق العَسل، 
والروض المسلوف فيما له اسمان إلى الأُلوف، 
والمثلثات، 
الأربعة للمصنف، 
والمزهر، 
ونظام اللسد في أسماء الأسد، 
وطبقات أئمة النحو واللغة، 
الثلاثة للحافظ السيوطيّ. 
ومجمع الأنساب 
لأبي الفداء إسماعيل ابن إبراهيم البلبيسيّ الحنفي، 
جمع فيه بين كتابَي الرشاطيّ وابن الأثير.
والجزء الثاني والثالث من لباب الأنساب 

للسمْعاني. 
والتوقيف على مهمات التعريف، 
للمناوي. 
وألف با للألبّا، 
لأبي الحجاج القضاعي البَلويّ. 
وكتاب المعاليم 
للبلاذريّ، 
ثلاثون مجلداً.
وتبصير المنتبه بتحرير المشتبه، 

للحافظ ابن حجر العَسقلانيّ، 
بخط سبطه يوسف بن شاهين.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
و شرح ديوان الهذليين 
لأبي سعيد السكريّ، 
وعليه خطّ ابنِ فارس صاحب المُجمل. 
والأول والثاني والعاشر من معجم ياقوت، 
ظفرت به في الخِزانة المحموديّة. 
و معجم البلدان 
لأبي عُبيد البكريّ. 
و التجريد في الصحابة، 
و المغني، 
و ديوان الضعفاء، 
الثلاثة للحافظ الذهبيّ. 
و معجم الصحابة، 
للحافظ تقي الدين ابن فهد، 
بخطه. 
و الذيل على إكمال الإكمال، 
لأبي حامد الصابونيِّ. 
و تاريخ دمشق، 
 لابن عساكر، 
خمس وخمسون مجلداً. 
وبعض أجزاء من تاريخ بغداد، 
للحافظ أبي بكر الخطيب. 
و الذيل عليه 
للبنداريّ. 
وبعض أجزاء من تاريخ ابن النجّار
و كتاب الفرق، 
للحكيم الترمذيّ. 
و أسماء رجال الصحيحين، 
للحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، 
ولابن رسلان أيضاً. 
و طبقات المفسرين 
للداوُديّ. 
و طبقات الشافعيّة، 
للتاج السبكيّ، 
وللقطب الخيضريّ. 
و التكملة لوفيات النقَلة، 
للحافظ زكيّ الدين المنذريّ. 
و كتاب الثقات، 
لابن حبّان. 
و كتاب الإرشاد، 
 للخليلي. 
و الجواهر المُضِيَّة، في طبقات الحنفية، 
للحافظ عبد القادر القرشيّ. 
و لباب الأنساب 
للسيوطي. 
و الذيل عليه 
للداوديّ. 
و مجمع الأقوال في معاني الأمثال، 
لمحمد بن عبد الرحمن أبي البقاء العُكبريّ. 
و نزهة الأنفس في الأمثال، 
لمحمد بن علي العراقيّ. 
و شرح المقامات الحريريّة 
للشَّريشي. 
و الوافي بالوفيات، 
للصلاح الصَفديّ. 
ومن تاريخ الإسلام 
للذهبيّ، 
عشرون مجلداً. 
و شرح المعلقات السبعة 
لابن الأنباريّ. 
و الحماسة 
لأبي تمّام حبيب بن أوس الطائيّ، 
المشتملة على عشرة أبواب. 
وبعض أجزاء من البداية والنهاية، 
للحافظ عماد الدين بن كَثير. 
و الراموز، 
لبعض عَصْرِيِّي المصنّف. 
و المثلّثات، 
لابن مالك. 
و طرح التثريب، 
للحافظ وليّ الدين العراقيّ. 
و الطالع السعيد، 
للأدفويّ. 
و الأنس الجليل، 
لابن الحنبليّ. 
و الكامل، 
لابن عديّ، 
في ثمانِ مجلدات، 
من خزانة المؤيّد. 
و حياة الحيوان، 
للكمال الدَّميريّ. 
و ذيل السيوطيّ عليه ومستدركاته
و الإتقان في علوم القرآن، 
له أيضاً. 
و الإحسان في علوم القرآن، 
لشيخ مشايخنا محمد بن أحمد بن عقيلة. 
و شرح الشفاء، 
للشهاب الخفاجي. 
و شفاء الغليل، 
له أيضاً. 
و شرح المواهب اللدُنّيّة، 
لشيخ مشايخنا سيّدي محمد الزُّرقاني. 
وقوانين الدواوين، 
للأسعد بن مَمّاتي. 
و مختصره، 
 لابن الجيعان. 
والخطط، 
للمقريزيّ. 
و البيان والإعراب، عمن بمصر من قبائل الأعراب، 
له أيضاً. 
و المقدّمة الفاضليّة، 
لابن الجّوانيّ نسابة مصر. 
و جمهرة الأنساب، 
لابن حزم. 
و عمدة الطالب، 
لابن عُتبة نسّابة العراق. 
و التذكِرة في الطبّ، 
للحكيم داود الأنطاكي. 
و المنهاج والتبيان، 
كلاهما في بيان العقاقير. 
و كتاب النبات، 
لأبي حَنيفة الدينوريّ. 
و تحفة الأحباب، 
للملك الغسانيّ. 
وغير ذلك من الكتب والأجزاء، 
في الفنون المختلفة، 
مما يطول على الناظر استقصاؤها، 
ويصعب على العادّ إحصاؤها. 
ولم آلُ جهداً في تحرِّي الاختصار، 
وسُلوك سبيل التنقية والاختيار، 
وتجريد الألفاظ عن الفَضلات 
التي يُسْتَغْنى عنها في حَطِّ اللثام عن وَجْه المَعنى 
عند ذوي الأفكار. 
فجاءَ بحمد الله تعالى هذا الشرحُ 
واضحَ المَنهج، 
كثير الفائدة، 
سهل السُّلوك، 
مَوصول العائدة، 
آمناً بِمِنَّة الله من أن يصبح مثل غيره 
وهو مطروح متروك، 
عظم إن شاء الله تعالى نفعُه بما اشتملَ عليه، 
وغَنِي ما فيه عن غيره وافتقر غيرُه إليه، 
وجمع من الشواهد والأدلّة ما لم يَجمَعْ مِثلُه مِثلَه، 
لأن كل واحدٍ من العلماء انفرد 
بقول رواه، 
أو سَماعٍ أدّاه، 
فصارت الفوائدُ في كتبهم مُفرَّقة، 
وسارت أنجمُ الفضائل في أفلاكِها، 
هذه مُغرّبةٌ وهذه مُشرِّقة، 
فجمعت منها في هذا الشرحِ ما تَفرَّق، 
وقرنت بين ما غرَّب منها وبين ما شرَّق، 
فانتظم شَمْلُ تلك الأصول والموادّ كُلِّها في هذا المجموع، 
وصار هذا بمنزلةِ الأصل وأُولئك بمنزلة الفروع، 
فجاءَ بحمد الله تعالى وَفْقَ البُغْيَةِ، 
وفوق المُنْيَة، 
بديع الإتقان، 
صحيحَ الأركان، 
سليماً من لفظةِ لو كان، 
حَللْتُ بوضعه ذِرْوَة الحُفَّاظ، 
وحَللت بجمعه عُقدةَ الألفاظ، 
وأنا مع ذلك لا أدَّعي فيه دَعْوى 
فأقول: شافَهْتُ، 
أو سمعت، 
أو شَددْتُ، 
أو رحَلت، 
أو أخطأَ فلانٌ أو أصاب، 
أو غَلِطَ القائلُ في الخطاب، 
فكلُّ هذه الدَّعاوى لم يَترك فيها شيخُنا لقائلٍ مقالاً، 
ولم يُخْلِ لأحدٍ فيها مَجالاً، 
فإنه عُنِيَ في شرحه عمن رَوى، 
وبَرْهن 
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 

عما حَوَى، 
ويَسَّر في خَطْبِه فادَّعى، 
ولعمري لقد جَمع فأوْعَى، 
وأتى بالمقاصد ووَفى، 
وليس لي في هذا الشرح فضيلةٌ أمُتُّ بها، 
ولا وسيلة أتمسّك بها، 
سوى أنّني جمعتُ فيه ما تفرّق في تلك الكُتب من منطوق ومفهوم، 
وبسطتُ القولَ فيه ولم أشبَعْ باليسير 
وطالبُ العِلم مَنهوم، 
فمن وَقف فيه على صَوابٍ أو زلل، 
أو صحّة أو خَلل، 
فعُهدتُه على المصنِّف الأول، 
وحَمْدُه وذمُّه لأصلِه الذي عليه المُعوَّل، 
لأني عن كلِّ كتابٍ نَقلتُ مَضمونه، 
فلم أُبدِّل شيئاً فيقال: فإنَّما إثْمُهُ على الّذينَ يُبَدِّلونَهُ. 
بل أدَّيت الأمانة في شرح العبارة بالفَصّ، 
وأوردتُ ما زِدْت على المؤلِّف بالنَّص، 
وراعيت مناسَباتِ ما ضَمَّنه من لُطف الإشارة، 
فَلْيُعَدِّ من يَنقُل عن شَرحي هذا عن تلك الأصول والفروع، 
وليستغْن بالاستضواءِ بدُرِّيِّ بيانه الملموع، 
فالناقلُ عنه يَمُدّ باعَه ويُطلق لسانَه، 
ويتنوَّع في نقله عنه لأنَّه ينقُل عن خِزانَة، 
والله تعالى يشكر مَنْ له بإلهام جمعه من مِنَّة، 
ويجعل بينه وبين مُحَرِّفي كَلِمِه عن مَواضعه واقيةً وجُنَّة، 
وهو المسئول أن يُعاملني فيه بفضله وإحسانه، 
ويُعينني على إتمامه بكرمه وامتنانه، 
فإنني لم أقصد سوى حِفظِ هذه اللغة الشريفة، 
إذْ عليها مَدار أحكامِ الكتاب العزيز والسُّنّة النبويّة، 
ولأن العالِم بغوامضها يعلم 
ما يوافق فيه النيةَ اللسانُ 
ويخالف فيه اللسانُ النيّة، 
وقد جمعته في زمنٍ أهله بغير لغته يفخرون، 
وصَنعته كما صنع نوح عليه السلام الفلك وقومه منه يسخرون. 
وسميته.
تاج العروس من جواهر القاموس.
وكأني بالعالم المنصِف قد اطّلع عليه فارتضاه، 

وأجال فيه نظرة ذي عَلَقٍ فاجتباه، 
ولم يلتفت إلى حدوث عهده وقربِ ميلاده، 
لأنَّه إنما يُستجاد الشيء ويسترذل لجودته ورداءته في ذاته، 
لا لِقدَمِه وحُدوثه، 
وبالجاهل المُشِطّ قد سَمِع به فسارع إلى تَمزيق فروته، 
وتوجيه المَعاب إليه، 
ولمَّا يعرفْ نَبْعَه من غَرَبِه 
ولا عَجم عودَه، 
ولا نَفض تهائمَه ونُجودَه، 
والذي غرَّه منه أنه عَملٌ محدثٌ ولا عمل قَديم، 
وحسبك أن الأشياءَ تُنتَقد أو تُبهرَج لأنها تَليدَة أو طارِفة، 
ولله درُّ من يقول:
    إذا رَضِيَتْ عَنّي كِرامُ عَشيرَتي         
          فلا زال غَضْباناً عَلَـيَّ لِـئامُـهـا
وأرجو من الله تعالى أن يرفع قدرَ هذا الشرح بمنِّه وفَضْله، 

وأن ينفع به كما نَفع بأصلِه، 
وأنا أبرأ إلى الله عزّ وجلَّ من القُوَّة والحَوْل، 
وإياه أستغفر من الزَّلل في العَملِ والقَوْل، 
لا إله غيره، 
ولا خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُه، 
وصلى الله على سَيِّدنا محمدٍ وآله وصحبِه وسَلَّم تسليماً كثيرا.

مقدمة وهي مشتملة على عشرة مقاصد

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 

المقصد الأول

في بيان أن اللغة هل هي توقيفية أو اصطلاحية 

نقل السيوطي في المزهر 

عن أبي الفتح بن برهان 

في كتاب الوصول إلى الأُصول: 

اختلف العُلماء في اللغة هل تثبت توقيفاً أو اصطلاحاً، 

فذهبت المعتزِلة إلى أن اللغات بأسرها تثبت اصطلاحاً، 

وذهبت طائفة إلى أنها تثبت توقيفاً، 

وزعم الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني 

أن القَدْر الذي يدعو به الإنسانُ غيرَه إلى التواضع يثبت توقيفاً، 

وما عدا ذلك يجوز أن يثبت بكل واحد من الطريقتين، 

وقال القاضي أبو بكر: 

لا يجوز أن يثبت توقيفاً، 

ويجوز أن يثبت اصطلاحاً 

ويجوز أن يثبت بعضه توقيفاً وبعضه اصطلاحاً، 

والكلّ ممكنٌ.
ونقل أيضاً عن إمام الحرمين أبي المعالي في البرهان: 

اختلف أربابُ الأصول في مأخذ اللغات، 

فذهب ذاهبون إلى أنها توقيفٌ من الله تعالى، 

وصار صائرون إلى أنها تثبت اصطلاحاً وتواطؤاً.
ونقل عن الزَّركشي في البحر المحيط: 

حكى الأستاذ أبو منصور قولاً 

أن التوقيف وقع في الابتداء على لغة واحدة، 

وما سِواها من اللغات وقع عليها التوقيف بعد الطُّوفان،

 من الله تعالى، 

في أولاد نوح، 

حين تفرَّقوا في الأقطار. 

قالَ: 

وقد رُوي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما 

أن أوّل من تكلم بالعربية المحضة إسماعيل، 

وأراد به عربيَّة قُريش التي نزل بها القرآن، 

وأما عربيّة قحطانَ وحِمير 

فكانت قبل إسماعيل عليه السلام.
وقال في شرح الأسماء: 

قالَ الجمهور الأعظم من الصحابة والتابعين من المفسِّرين إنها كلَّها توقيف من الله تعالى.
وقال أهل التحقيق من أصحابنا: 

لابد من التوقيف في أصل اللغة الواحدة، 

لاستحالة وقوع الاصطلاح على أوّل اللغات، 

من غير معرفةٍ من المصطلحين بِعَيْن ما اصطلحوا عليه، 

وإذا حصل التوقيف على لغةٍ واحدة، 

جاز أن يكون ما بعدها من اللغات اصطلاحاً، 

وأن يكون توقيفاً، 

ولا يُقْطَع بأحدهما إِلاَّ بدلالة.
ثمَّ قالَ: 

واختلفوا في لغة العرب، 

فمن زعم أن اللغات كلَّها اصطلاحٌ 

فكذا قولُه في لغة العرب، 

ومن قالَ بالتوقيف على اللغةِ الأخرى وأجاز الاصطلاح فيما سواها من اللغات، 

اختلفوا في لغة العرب، 

فمنهم من قالَ: 

هي أول اللغات، 

وكلُّ لغة سواها حَدثَتْ فيما بعد 

إما توقيفاً أو اصطلاحاً، 

واستدلوا بأن القرآن كلام الله تعالى، 

وهو عربيٌّ، 

وهو دليل على أن لغة العرب أسبقُ اللغاتِ وجوداً، 

ومنهم من قالَ: 

لغة العرب نوعان: 

أحدهما عَربيَّة حِمْير، 

وهي التي تكلّموا بها من عهد هود وَمَن قَبلَه، 

وبقي بعضُها إلى وقتنا، 

والثانية العربية المحضة، 

التي بها نزل القرآن، 

وأوّل من أطلق لِسانه بها إسماعيل، 

فعلى هذا القولِ يكون توقيف إسماعيل على العربية المحضة يحتمل أمرين: 

إما أن يكون اصطلاحاً بينه وبين جُرْهُمٍ النازلين عليه بمكَّة، 

وإما أن يكون توقيفاً من الله تعالى، 

وهو الصواب.

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

قالَ السيوطي: 

وأخرج ابن عساكر في التاريخ، 

عن ابن عباس، 

أن آدم عليه السلام كانَ لغته في الجنة العربيَّة، 

فلما عَصى سَلبَه الله العربيةَ فتكلم بالسرْيانية، 

فلما تابَ لله، 

رد الله عليه العربية. 

وأخرج عبدُ الملك بن حَبيب: 

كانَ اللسان الأوّل الذي نزل به آدم من الجنة عربيًّا 

إلى أن بَعُد العهدُ وطالَ 

حُرِّف وصار سريانيًّا، 

وهو منسوب إلى سورية، 

وهي أرض الجزيرة، 

بها كانَ نوحٌ عليه السلام وقومُه قبل الغرق، 

قالَ: 

وكان يُشاكِل اللسانَ العربيَّ، 

إِلاَّ أنه محرَّف، 

وهو كانَ لسانَ جميعِ مَن في السفينةِ إِلاَّ رجلاً واحداً يقال له جُرهُم، 

فكان لسانه لسان العربيّ الأوّل، 

فلما خرجوا من السفينة تزوّج إرمُ بن سامٍ بعضَ بناته، 

فمنهم صارَ اللسانُ العربيُّ في وَلَده 

عُوص أبي عاد، وعَبيل، 

وجاثر أبي جَديس وثمود، 

وسمّيت عادٌ باسم جُرْهُم، 

لأنه كانَ جَدَّهم من الأمّ، 

وبقي اللسان السريانيُّ في ولد أرْفَخشذ بن سام 

إلى أن وصل إلى يَشجُب بن قحطانَ من ذريته، 

وكان باليمن، 

فنزل هناك بنو إسماعيل فتعلم منهم بنو قحطان اللّسان العربيَّ. 

وقال ابن دحية: 

العرب أقسام: 

الأول عارِبة عَرْباء، 

وهم الخُلّص، 

وهم تِسعُ قبائلَ من ولد إرَم بن سام بن نوح، وهي: 

عاد، وثمود، وأميم، 

وعَبيل، وطَسْم، وجَديس، 

وعِمْليق، وجُرْهُم، ووَبارِ، 

ومنهم تعلم إسماعيل عليه السلام العربية. 

والثاني المتعربة، 

وهم الذين ليسوا بخلَّص وهم بنو قحطان. 

والثالث المستعربة: 

وهم بنو إسماعيل وهم ولد مَعدّ بن عدنان، 

انتهى.
وقال أبو بكر بن دريد في الجمهرة: 

العرب العاربة سبع قبائل: 

عاد، وثَمود، وعِمليق، 

وطَسْم، وجَديس، وأميم، 

وجاسم، 

وقد انقرض أكثرهم إِلاَّ بقايا متفرّقين في القبائل. 

قالَ: 

وسمِّي يَعرُب بن قحطان لأنه أول من انعدل لسانه عن السُّريانيَّة إلى العربية، 

وهذا معنى قول الجوهريّ في الصحاح: 

أول من تكلم العربية يَعرُب بن قَحطان. 

وقال الحاكم في المستدرك، وصححه، 

والبيهقي في شُعَب الإيمان: 

عن بريدة رضي الله عنه، 

في قوله تعالى: 

"بِلِسانٍ عربيٍّ مُبينٍ" 

قالَ: بلسان جُرهم.
وقال محمد بن سلام: 

وأخبرني يونس، عن أبي عمرو بن العلاء، قالَ: 

العرب كلّها ولد إسماعيل، 

إِلاَّ حِمْير وبقايا جُرهم، 

ولذلك يروى أن إسماعيل جاورَهُم وأصْهَر إليهم.
وقال الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه: 

قيل إن جميع العرب ينتسبون إلى إسماعيل عليه السلام، 

والصحيح المشهور أن العرب العاربة قبل إسماعيل 

وهم: عاد، وثمود، وطسم، وجديس، وأميم، وجرهم، والعماليق. 

وأُمم آخرون كانوا قبل الخليل عليه السلام، وفي زمانه أيضاً، 

فأما العرب المستعربة وهم عرب الحِجاز فمن ذرية إسماعيل عليه السلام، 

وأما عَرب اليمن، وهم حمير، 

فالمشهور أنهم من قحطان، 

واسمه مِهْزَم. 

قالَ ابنُ ماكولا، 

وذكروا أنهم كانوا أربعة إخوةٍ، 

وقيل: من ذريته، 

وقيل: إن قحطانَ ابنُ هودٍ، وقيل: أخوه، وقيل: من ذُريته، 

وقيل: إن قحطان من سُلالة إسماعيل عليه السلام، 

حكاه ابن إسحاق وغيره، 

والجمهور أن العرب القحطانية من عرب اليمن وغيرهم ليسوا من سلالة إسماعيل عليه السلام. 

وقال الشِّيرازيّ في كتاب الألقاب، 

بسنده إلى مِسْمع بن عبد الملك، 

عن محمد بن عليّ بن الحُسين، 

عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: 

"أولُ من فُتِقَ لسانُه بالعربيّة المبينة إسماعيل عليه السلام، 

وهو ابن أربع عشرة سنة". 

وفي جزء الغطريف بسنده إلى عمر بن الخطاب أنه قالَ: 

يا رسول الله، مالك أفصحنا، ولم تخرج من بين أظهُرِنا؟

 قالَ: 

"كانت لغة إسماعيل قد دَرَست، 

فجاءَ بها جبريل عليه السلامُ فحفَّظَنيها فحفظْتها" 

أخرجه ابنُ عساكر في تاريخه.
وأخرج الدَّيلميُّ في مُسند الفردَوس عن أبي رافعٍ قال: 

قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم 

مُثِّلَت لي أُمتي في الماءِ والطِّين 

وعُلِّمت الأسماءَ كلَّها كما عُلِّم آدمُ الأسماءَ كلَّها. 

================================

المقصد الثاني

في سعة لغة العرب

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

في المزهر: 

قالَ أبو الحسن أحمد بن فارس في فقه اللغة: 

باب القول على لغة العرب، 

وهل يجوز أن يُحاط بها، 

قالَ بعض الفقهاء: 

كلامُ العرب لا يُحيط به إِلاَّ نبيّ

قالَ ابن فارس: 

وهذا كلام حَرِيٌّ أن يكون صحيحاً، 

وما بلغنا عن أحدٍ ممن مَضى أنه ادَّعى حِفظ اللغة كلِّها، 

فأما الكتاب المنسوب إلى الخليل، 

وما في خاتمته من قوله: 

هذا آخرُ كلام العرب 

فقد كانَ الخليل أورَع وأتقى لله تعالى من أن يقول ذلك. 

قالَ السيوطيُّ: 

وهذا الذي نقله عن بعض الفقهاءِ نص عليه الإمام الشافعيّ رضي الله عنه، 

فقال في أول الرسالة: 

لسان العرب أوسَعُ الألسنةِ مذهباً، 

وأكثرُها ألفاظاً، 

ولا نعلم أنه يحيط بجميع علمه إنسانٌ غير نبيّ، 

ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها، 

حتَّى لا يكون موجوداً فيها من يعرفه، 

والعِلْم عند العرب كالعِلْم بالسُّنَّة عند أهل الفقه، 

لا يعلم رجلٌ جميعَ السُّنَن، 

فلم يذهب منها عليه شيء، 

فإذا جُمِع علمُ عامّة أهلِ العلم بها أتى على السُّنن، 

وإذا فُرِّق علم كلِّ واحدٍ منهم ذهب عليه الشيءُ منها 

ثمَّ كانَ ما ذهب عليه منها موجوداً عند غيره، 

وهم في العلم طبقات، 

منهم الجامع لأكثره وإن ذهب عليه بعضُه، 

ومنهم الجامع لأقلَّ مما جمع غيره، 

وليس قليلُ ما ذهب من السُّنن على مَنْ جمع أكثرها دليلاً على أن يُطلب علمه عند غير طبَقته، 

من أهل العلم، 

بل يُطلَب عند نُظَرائه ما ذهب عليه 

حتَّى يُؤتى على جميع سُنَن رسول الله صلى الله عليه وسلم، 

بأبي هو وأمي، 

فتفرَّد جُملةُ العلماء بجُملتِها، 

وهو درجاتٌ فيما وَعَوْا منها، 

وهذا لسانُ العربُ عند خاصّتها وعامّتها لا يذهب منه شيء عليها، 

ولا يطلب عند غيرها، 

ولا يعلمه إِلاَّ مَن قَبِلَه منها، 

ولا يَشرَكها فيه إِلاَّ من اتبعها في تعَلُّمه منها 

ومَن قَبلَه منها فهو من أهل لِسانها 

وعِلْم أكثرِ اللسان في أكثر العرب أعمُّ من عِلمِ أكثرِ السُّنن في العلماء. 

هذا نصّ الإمام الشافعي بحروفه، 

انتهى.
وقال ابن فارس في موضع آخر: 

اعلم أن لغة العرب لم تنته إلينا بكلّيتها، 

وأن الذي جاءَ عن العرب قليل من كثير، 

وأن كثيراً من الكلام ذهب بذهاب أهله، 

والله أعلم.

============================

المقصد الثالث

في عدة أبنية الكلام

في المزهر نقلاً عن مختصرِ كتاب العين للزُّبَيْديّ ما نَصَّه: عِدَّةُ مُستَعملِ الكلامِ كُلِّه ومُهمَلِه ستة آلاف ألفِ وتسعة وخمسون ألفاً وأربعمائة، المستعمل منها خمسة آلافٍ وستمائة وعشرون، والمهمل ستة آلاف ألفٍ وستمائة ألف وثلاثة وتسعون ألفاً وسبعمائة وثمانون، عدة الصحيح منه ستة آلاف ألف وستمائة ألف وثلاثة وخمسون ألفاً وأربعمائة، والمعتلّ ستة آلاف، المستعمل من الصحيح ثلاثة آلاف وتسعمائة وأربعة وأربعون، والمهمل منه ستة آلاف ألف وتسعة وثمانون ألفاً وأربعمائة وستة وخمسون، والمستعمل من المعتلّ ألف وستمائة وستة وسبعون، والمهمل منه أربعة آلاف وثلاثمائة وأربعة وعشرون. عدة الثُّنائيّ سبعمائة وخمسون، المستعمل منه أربعمائة وتسعة وثمانون، والمهمل مائتان وواحد وستون، الصحيح منه ستمائة، والمعتل مائة وخمسون، المستعمل من الصحيح أربعمائة وثلاثة، والمهمل مائة وسبعة وتسعون، والمستعمل من المعتل ستة وثمانون، والمهمل أربعة وستون. وعدَّة الثلاثي تسعة عشر ألفاً وستمائة وخمسون، المستعمل منه أربعة آلاف ومائتان وتسعة وستون، والمهمل خمسة عشر ألفاً وثلاثمائة وواحد وثمانون، الصحيح منه ثلاثة عشر ألفاً وثمانمائة، والمعتلّ سوى اللَّفيف خمسة آلاف وأربعمائة، واللفيف أربعمائة وخمسون، المستعمل من الصحيح ألفان وستمائة وتسعة وسبعون، والمهمل أحد عشر ألفاً ومائة وأحد وعشرون، والمستعمل من المعتلّ سوى اللَّفيف ألف وأربعمائة وأربعة وثلاثون، والمهمل ثلاثة آلاف وتسعمائة وستة وستون، والمستعمل من اللفيف مائة وستة وخمسون، والمهمل مائتان وأربعة وتسعون. وعدة الرباعي ثلاثمائة ألف وثلاثة آلاف وأربعمائة، المستعمل ثمانمائة وعشرون، والمهمل ثلاثمائة ألف وألفان وخمسمائة وثمانون. وعدة الخماسي ستة آلاف ألف وثلاثمائة ألف وخمسة وسبعون ألفاً وستمائة، المستعمل منه اثنان وأربعون، والمهمل ستة آلاف ألف وثلاثمائة ألف وخمسة وسبعون ألفاً، وخمسمائة وثمانية وخمسون.
 ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 

قال الزبيديّ. وهذا العدد من الرباعيّ والخماسيّ على الخمسة والعشرين حرفاً من حروف المُعجم خاصَّة، دون الهمزة وغيرها، وعلى أن لا يتكرَّر في الرباعيّ والخماسيّ حرفٌ من نفس الكلمة، ثمَّ قال: وعدّة الثنائيّ الخفيف والضَرْبَيْنِ من المُضاعَف على نَحْوِ ما ألحقناه في الكتاب ألفا حَرفٍ ومائتا حرفٍ وخمسةٌ وسبعون حرفاً، المستعمل من ذلك مائة واثنان، والمهمل ألفا حرفٍ ومائة حرف وثلاثة وسبعون حرفاً، الصحيح من ذلك ألفُ حرفٍ وثمانمائة وخمسة وعشرون، والمعتل أربعمائة وخمسون، المستعمل من الصحيح تسعة وخمسون، والمهمل ألف وسبعمائة وستة وستون، والمستعمل من المعتلّ ثلاثة وأربعون، والمهمل أربعمائة وسبعة، انتهى.

المقصد الرابع

في المتواتر من اللغة والآحاد

قال العلامة أبو الفضل: نقلاً عن لُمَع الأدلّة لابن الأنباريّ، اعلمْ أن النقْلَ على قسمين: تواتر وآحاد، فأما التواتر فلغة القرآن، وما تواتر من السُّنَّة وكلام العرب، وهذا القسمُ دليلٌ قَطْعِيٌّ من أدلّة النحو، يفيد العِلْمَ أي ضروريًّا، وإليه ذهبَ الأكثرون، أو نظريًّا، ومال إليه آخرون، وقيل: لا يُفْضي إلى عِلْم البتَّةَ، وهو ضعيف، وما تفرَّد بنقلهِ بعض أهلِ اللغةِ ولم يوجد فيه شرطُ التواترِ، وهو دليلٌ مأخوذٌ به، فذهب الأكثرون إلى أنه يُفيد الظنَّ، وقيل: العِلمَ وليس بصحيحٍ، لتطرُّقِ الاحتمال فيه، ثمَّ قال: وشرط التواتر أن يبلُغَ عَدَدُ النقَلَةِ إلى حَدٍّ لا يجوز على مثلهم الاتفاقُ على الكذب في لغةِ القرآن، وما تواتر من ألسنة العرب، وقيل: شرطه أن يبلغوا خمسةً، والصحيح هو الأوّل. قال قومٌ من الأُصوليين: إنهم أقاموا الدلائلَ على خبرِ الواحد أنه حُجَّة في الشرْع، ولم يُقيموا الدّلالَة على ذلك في اللغة، فكان هذا أوْلَى.
وقال الإمام فخر الدين الرازيُّ، وتابعه الإمام تاج الدين الأرمويُّ صاحب الحاصل: إن اللغة والنحوَ والتصريفَ ينقسم إلى قسمين، قسم منه متواترٌ، والعلمُ الضروريُّ حاصلٌ بأنه كانَ في الأزمنةِ الماضيةِ موضوعاً لهذه المعاني، فإنا نجد أنفسنا جازمةً بأن السماءَ والأرضَ كانتا مُستعملتين في زمانه صلّى الله عليه وسلّم في معناهما المعروف، وكذلك الماءَ والنار والهواء وأمثالها، وكذلك لم يزل الفاعلُ مرفوعاً، والمفعول منصوباً، والمضاف إليه مجروراً، ثمَّ قال: ومنه مظنون، وهو الألفاظ الغريبة، والطريق إلى معرفتها الآحاد، وأكثر ألفاظ القرآن ونحوُه وتصريفُه من القسم الأوّل، والثاني منه قليل جدَّا، فلا يُتَمسَّكُ به في القَطْعِيَّات ويتمسَّك به في الظنِّيَّات، انتهى.
وأما المنقطع ففي لمع الأدلة: هو الذي انقطع سَنَدهُ، نحوَ أن يَرْويَ ابنُ دُريد عن أبي زيدٍ، وهو غير مقبول، لأن العَدالَة شَرْطٌ في قبول النقْلِ، وانقطاعُ سَنَدِ النقلِ يوجب الجهلَ بالعدالةِ، فإنّ من لم يُذْكَر لم تُعرف عدالتُه. وذهب بعضهم إلى قبوله، وهو غيرُ مَرْضِيّ.
وأما الآحاد فهو ما انفرد بروايته واحدٌ من أهل اللغة، ولم ينقله أحدٌ غيره، وحكمه القَبول إذا كانَ المنفردُ به من أهل الضبط والإتقان، كأبي زيدٍ الأنصاريّ، والخليل، والأَصمَعِيّ، وأبي حاتم، وأبي عُبيدة وأقرانهم، وشرطه أن لا يخالف فيه أكثرُ عدداً منه.
وأما الضعيف فهو ما انحطَّ عن درجةِ الفصيح. والمنكر أضعف منه وأقلّ استعمالاً. والمتروك ما كانَ قديماً من اللغات ثمَّ تُرك واستُعمل غيره. وأما الفصيح من اللغة، ففي المزهر ما نصه: المفهوم من كلام ثعلب أن مدارَ الفصاحةِ على كثرةِ استعمال العرب لها، انتهى.
ومثله قال القزوينيُّ في الإيضاح: وقالوا أيضاً: الفصاحةُ في المفرَد خُلوصُه من تَنافر الحروف، ومن الغرابة، ومن مخالفة القياس اللغويّ، وبيان ذلك مذكورٌ في محلّه. قال ابن دريد في الجمهرة واعلم أن أكثر الحروف استعمالاً عند العرب الواو والياء والهمزة، وأقلُ ما يستعملون لِثقَلها على ألسنتهم الظاءُ، ثمَّ الذال، ثمَّ الثاء، ثمَّ الشين، ثمَّ الخاء، ثمَّ القاف، ثمَّ العين، ثمَّ النون، ثمَّ اللام، ثمَّ الراء، ثمَّ الباء، ثمَّ الميم، فأخفّ هذه الحروف كلِّها ما استعملته العرب في أصول أبنيتهم من الزوائد، لاختلاف المعنى، انتهى.

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ  

 
وفي عروس الأفراح: رُتَب الفصاحةِ منها متقاربة، فإن الكلمة تخِفّ وتَثقُل بحسب الانتقال من حرف إلى حرفٍ لا يلائمه قُرْباً أو بُعداً، فإن كانت الكلمة ثلاثيَّة فتراكيبها اثنا عشر فذكرها، ثمَّ قال: وأحسَنُ هذه التراكيب وأكثرُها استعمالاً ما انحدَرَ فيه من الأعلى إلى الأوسط إلى الأدنى، ثمَّ ما انتقل فيه من الأوسط إلى الأدنى إلى الأعلى، ثمَّ من الأعلى إلى الأدنى، وأقلّ الجميع استعمالاً ما انتقل فيه من الأدنى إلى الأعلى إلى الأوسط، هذا إذا لم ترجع إلى ما انتقلت عنه، فإن رجعت فإن كانَ الانتقال من الحرف إلى الحرفِ الثاني في انحدارٍ من غير طفْرةٍ، والطفرةُ الانتقال من الأعلى إلى الأدنى أو عكسه، كانَ التركيب أخفَّ وأكثَر، وإلا كانَ أثقلَ وأقلَّ استعمالاً. فيه أيضاً أن الثلاثيَّ أفصحُ من الثنائيّ والأُحاديّ، ومن الرباعي والخماسي، انتهى.
وذكر حازمٌ القُرْطاجنِّيُّ وغيرُه: من شروط الفصاحةِ أن تكون الكلمةُ متوسِّطةً من قلَّة الحروف وكثرتها، والمتوسطة ثلاثة أحرف.

المقصد الخامس

في بيان الأفصح

قال أبو الفضل: أفصحُ الخلقِ على الإطلاق سيِّدُنا ومولانا رسولُ الله، صلّى الله عليه وسلّم، قال صلّى الله عليه وسلّم "أنا أفصحُ العَرَب" رواه أصحاب الغَريب، ورَوَوْه أيضاً بلفظ "أنا أفصحُ من نطقَ بالضادِ بيْد أني من قُرَيشٍ" وإن تُكُلِّم في الحديث.
ونُقِل عن أبي الخطَّاب بن دِحْية: اعْلمْ أن الله تعالى لما وضع رسولَه صلّى الله عليه وسلّم مَوْضِعَ البلاغِ من وَحْيِه، ونَصَبَه مَنْصِبَ البيانِ لدينه، اختار له من اللغاتِ أعرَبَها، ومن الألسن أفصحها وأبيَنَها، ثمَّ أمدَّه بجوامِع الكَلِم، انتهى.
ثمَّ قال: وأفصحُ العربِ قُريشٌ، وذلك لأن الله تعالى اختارَهم من جميع العرب، واختار منهم محمداً صلّى الله عليه وسلّم، فجعل قريشاً سكَّانَ حرَمِه وَوُلاةَ بيتِه، فكانت وُفودُ العرب من حُجَّاجها وغيرِهم يَفِدون إلى مكَّةَ للحَجِّ، ويتَحاكمون إلى قريش، وكانت قريشٌ مع فصاحتها، وحًسنِ لُغاتها، ورِقَّةِ ألسنَتِها، إذا أتتْهم الوفودُ من العرب تَخيَّروا من كلامهم وأشعارِهم أحسنَ لُغاتِهم، وأصفى كلامِهم، فاجتمع ما تخيَّروا من تلك اللغات إلى سلائقهم التي طُبعوا عليها، فصاروا بذلك أفصح العرب، ألا ترى أنك لا تجد في كلامهم عنعنَةَ تميمٍ ولا عَجْرفة قيسٍ ولا كَشْكَشَة أسد ولا كَسكَسةَ ربيعة. قلت: قال الفراء. العنعنة في قيس وتميم تَجعل الهمزةَ المبدوءَ بها عيناً، فيقولون في إنك عِنّكَ، وفي أسلم عسلم. والكشكشة في ربيعة ومضر يَجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنث شيناً، فيقولون رأيتُكِش ومررتُ بكِش. والكسكسة فيهم أيضاً يجعلون بعد الكاف أو مكانها سيناً في المذكّر. والفحفحة في لغة هذيل يجعلون الحاء عيناً.
والوَكَم والوَهَم كِلاهما في لغة بني كَلْب، من الأوّل يقولون علَيكِمْ وبِكِمْ، حيث كانَ قبل الكاف ياءٌ أو كسرةٌ، ومن الثاني يقولون مِنْهِمْ وعنهِمْ وإن لم يكن قبل الهاء ياءٌ ولا كسرةٌ.
والعجعجة في قُضاعة، يجعلون الياءَ المشدّدة جيماً، يقولون في تميميٍّ تميمجّ. والاستِنطاء لغة سعدِ بن بكرٍ وهُذيل والأزْدِ وقيس والأنصار يجعلون العين الساكنة نوناً إذا جاوَرت الطاءَ، كأنْطى في أعطى. والوَتم في لغة اليمن يَجْعَل الكاف شيناً مطلقاً، كلبيشَ اللهم لبيشَ. ومن العرب من يجعل الكافَ جيماً كالجعْبة، يريد الكعبة.
وفي فقه اللغةِ للثعالبي اللخْلَخانِيَّة تَعْرِض في لغة أعراب الشِّحْرِ وعُمان، كقولهم مَشا الله، أَي ما شاء الله. والطُّمطُمانِيَّة تَعْرِض في لغة حِمْير، كقولهم طابَ امْهَواء أَي طاب الهواء.

المقصد السادس

في بيان المطرد والشاذ والحقيقة والمجاز والمشترك والأضداد والمترادف والمعرّب والمولَّد

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

 أما الكلامُ على الاطِّراد والشُّذوذ، فقال ابن جِنٍّى في الخصائص إنه على أربعة أضرُب. مطرد في القياس والاستعمال جميعاً، وهذا هو الغاية المطلوبة، نحو قام زيدٌ وضربت عمراً. ومطرد في القياس شاذ في الاستعمال، وذلك نحو الماضي من يَذَر ويَدَع. ومطرد في الاستعمال شاذ في القياس كاستحوَذ، واستنْوَق الجملُ، واستفْيَل الجمل. وشاذ في الاستعمال والقياس جميعاً كقولهم ثوب مَصوون، وفرس مَقوود، ورجل مَعْوود من مَرَضِه. ومن الشواذّ بابُ فَعِل يَفْعِل بكسر العين فيهما كوَرِث ووَمِق ووَرِيَ ووَلِيَ، وقد يأتي الكلام عليه في محله.
أما الحقيقة والمجاز.ففي النوع الرابع والعشرين من المزهر، قال العلامة فخر الدين الرازي: جِهات المجاز يحضُرنا منها اثنا عشرَ وجْهاً. أحدها التجوّز بلفظِ السّبَب عن المُسبَّب، ثمَّ الأسباب أربعة: القابِل، كقولهم سالَ الوادي، والصُّوريّ، كقولهم لليد إنها قدرةٌ، والفاعل، كقولهم نزل السحابُ أَي المطر، والغائي كتسميتهم العِنب الخمْرَ. الثاني بلفظ المُسبّب عن السبب، كتسميتهم المرضَ الشديدَ بالموت. الثالث المُشابهة، كالأسد للشُّجاع. والرابع المضادّة، كالسَّيئة للجزاء. الخامس والسادس بلفظ الكلّ للجزء، كالعامّ للخاصّ، واسم الجزء للكلّ، كالأسود للزنجي. والسابع اسم الفِعل على القُوّة، كقولنا للخمرة في الدّنّ إنها مُسكرة. والثامن المشتقّ بعد زوال المصدر. والتاسع المجاورة، كالرّاوِية للقِرْبة. والعاشر المجاز العرْفي وهو إطلاقُ الحقيقةِ على ما هُجر عُرْفاً، كالدَّابة للحِمار. والحادي عشر الزّيادة والنقصان، كقوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء، واسأل القَرْيةَ. والثاني عشر اسم المتعلِّق على المتعلَّق به، كالمخلوق بالخَلْق، انتهى.
وقال القاضي تاج الدين السُّبكي في شرح المنهاج بعد كلامٍ طويل: والفَرْضُ أن الأصلَ الحقيقةُ، والمجازَ خلافُ الأصلِ، فإذا دارَ اللفظُ بين احتمالِ المجازِ واحتمالِ الحقيقة فاحتمالُ الحقيقةِ أرجحُ، انتهى.
وقال الإمامُ وأتباعُه: الفرق بين الحقيقةِ والمجاز إما أن يقَع بالتَّنصيص أو بالاستدلال، أما التنصيصُ فأن يقول الواضعُ: هذه حقيقةٌ، وهذا مجازٌ، وتقول ذلك أئمةُ اللغةِ، وأما الاستدلالُ فبالعلامات، فمن علاماتِ الحقيقةِ تبادرُ الذِّهنِ إلى فهمِ المعنى، والعراءُ عن القَرينة، ومن علامات المجاز إطلاقُ اللفظِ على ما يستحيلُ تَعلُّقُه به، واستعمال اللفظ في المعنى المنسيِّ، كاستعمالِ لفظ الدابَّة في الحِمار، فإنه موضوعٌ في اللغةِ لكلِّ ما يَدِبّ على الأرض، انتهى.
قال ابن برهان: وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني: لا مجاز في لغةِ العرب. وحكى التاج السُّبكيُّ عن خطِّ الشيخ تقيّ الدين بن الصَّلاح أن أبا القاسم بن كج حكى عن أبي عليٍّ الفارسيِّ إنكارَ المجازِ، فقال إمام الحرميْنِ في التلخيص، والغزاليُّ في المنخول: لا يصِحُّ عن الأستاذ هذا القولُ، وأما عن الفارسيِّ فإن الإمام أبا الفتح بن جِنّي تلميذ الفارسيّ، وهو أعلمُ الناسِ بِمذهبه، ولم يحْكِ عنه ذلك، بل حكى عنه ما يدُلُّ على إثباته. ثمَّ قال ابن برهانٍ بعد كلامٍ أورده: ومُنكِرُ المجازاتِ في اللغة جاحِدٌ للضرورة، ومُعطِّلٌ محاسنَ لغةِ العرب، قال امرؤ القيس:

فَقُلْتُ له لمَّا تَمطَّى بِصُلْبِهِ
وأرْدفَ أعْجازاً وناءَ بِكَلْكَلِ
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
 وليس لليل صُلْب ولا أرداف. وأما المشتركُ. فهو اللفظُ الواحد الدالُّ على معنَيَيْن مختلفين فأكثر دلالةً على السَّواءِ عند أهلِ تلك اللغة، واختلف الناسُ فيه، فالأكثرون على أنه مُمكِنُ الوقوعِ، لجواز أن يقع إمَّا من واضعين بأن يضع أحدهما لفظاً لمعنى، ثمَّ يضعه الآخر لمعنى آخر، ويشتهر ذلك اللفظ ما بين الطائفتين في إفادة المعنيين، وهذا على أن اللغات غير تَوقيفية، وإما من واضع واحد لغرض الإبهام على السامع، حيث يكون التصريح سبباً لمضرّة، كما روى عن أبي بكرٍ الصدّيقِ رضي الله عنه وقد سأله رجل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وقت ذهابهما إلى الغار: من هذا? قال: هذا رجلٌ يهْديني السبيل. والأكثرون أيضاً على أنه واقع لنقل أهل اللغة ذلك في كثير من الألفاظ، ومن الناس من أوجب وقوعه، قال: لأن المعاني غير متناهية، والألفاظ متناهية، فإذا وزع لزم الاشتراك، وذهب بعضهم إلى أن الاشتراك أغلب، كذا في المزهر، ومن أمثلة المشترك الرؤية والعين والهلال والخال، وسيأتي بيان ذلك كله في مواضعه.

وأما الأضداد

فنقل السيوطي عن المبرد في كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه: في كلام العرب اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين. فالأوّل كقولك: ذهب وجاءَ وقام وقعد، ورجل وفرس ويد ورجل. وأما الثاني فكقولك: حسبت وظننت وقعدت وجلست، وذراع وساعد وأنف ومرسن. وأما الثالث فكقولك وجدت شيئاً، إذا أردت وجدان الضالَّة، ووجدت على الرجل، من الموْجِدَة، ووجدت زيداً كريماً أَي علمت، ومنه ما يقع على شيئين متضادِّين، كقولهم جلَلٌ للصغير وللكبير، والجوْن للأسود والأبيض. قلت: ومثله كلام ابن فارس في فقه اللغة، وبسطه أبو الطيب اللغوي في كتاب الأضداد.

وأما المترادف

فقال الإمام فخر الدين الرازي: هو الألفاظ المفردة الدالَّة على شيء واحد باعتبارٍ واحد، والفرق بينه وبين التوكيد، أن أحد المترادفين يفيد ما أفاده الآخر، كالإنسان والبشر، وفي التوكيد يفيد الثاني تقويةَ الأوَّل، والفرق بينه وبين التابع، أن التابع وحده لا يفيد شيئاً، كقولنا عطْشان نَطشان. قال التاج السبكي في شرح المنهاج: وذهب بعض الناس إلى إنكار المترادف في اللغة العربية، وزعم أن كل ما يُظَنُّ من المترادفات فهو من المتباينات التي تتباين بالصفات، كما في الإنسان والبشر، فإن الأول موضوع له باعتبار النسيان أو الإنس، والثاني باعتبار أنه بادي البَشَرة، وكذا الخَنْدَريس والعُقار، فإن الأول باعتبار العتق، والثاني باعتبار عقْرِ الدنّ، لشدّة ما فيها، قال: واختاره ابن فارس في كتابه الذي ألفه في فقه اللغة العربية. ونقل الجلال عن الكَيّا في تعليقه في الأصول: الألفاظ التي لمعنى واحد تنقسم إلى ألفاظ مترادفة، وألفاظ متواردة. فالمترادفة كما يُسمَّى الخمْر عُقاراً وصَهْباء وقهوة، والسبع لَيْثاً وأسداً وضِرْغاماً. والمتواردة هي التي يقام لفظٌ مُقام لفظٍ، لمعان متقاربةٍ، يجمعها معنى واحد، كما يقال: أصلَح الفاسد، ولَمَّ الشَّعَث، ورتَقَ الفَتْقَ، وشَعب الصَّدْعَ، انتهى.
قال: وهذا تقسيم غريب، وقد ألَّف فيه القاضي مجد الدين الشيرازي كتاباً وسماه الرَّوْضُ المسلوف فيما له اسمان إلى الألوف.

وأما المعرّب

فهو ما استعملته العرب من الألفاظ الموضوعة لمعانٍ في غير لغتها، قال الجوهري في الصحاح: تعريب الاسم الأعجمي أن تتفوّه به العربُ على مِنْهاجِها، تقول: عرّبته العرب وأعْربته وقال أبو عبيد القاسم بن سلام، وأما لُغات العجم في القرآن فرُوي عن ابن عباسٍ وعطاء ومُجاهدٍ وعِكْرمة أنهم قالوا في أحرف كثيرة إنها بلغات العجم، وقال أهل العربية: إن القرآن ليس فيه من كلام العجم شيء، لقوله تعالى "قُرْآناً عربيًّا" وقوله "بِلِسانٍ عربيًّ مُبينٍ": قال أبو عبيد والصواب عندي مذهبٌ فيه تصديق القولين جميعاً، وذلك أن هذه الحروف أُصولها أعجمية، كما قال الفقهاء، إِلاَّ أنها سقطت إلى العرب فأعربتها بألسنتها، وحوّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها، ثمَّ نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال إنها عربية فهو صادق، ومن قال عَجَميّة فهو صادق، اه.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 
وقد ألف فيه الإمام أَبو منصور الجَواليقي وغيره. ثمَّ ذكر الجلال فائدة نصها: سُئل بعض العلماء عما عرّبته العرب من اللغات واستعملته في كلامها: هل يُعطي حُكْمَ كلامِها فيشتق ويشتق منه? فأجاب بما نصه: ما عرَّبته العرب من اللغات واستعملته في كلامها، من فارسيّ وروميّ وحبشيّ وغيره، وأدخلته في كلامها، على ضربين. أحدهما أسماء الأجناس كالفرِند والإبْرَيْسَم واللّجام والآجُر والباذِقِ والقِسْطاس والإستبرق. والثاني ما كانَ في تلك اللغات علَماً فأجروه على عَلمِيّته كما كانَ، لكنهم غيَّروا لفظه، وقرَّبوه من ألفاظهم، وربما ألحقوه بأبْنِيَتِهم، وربما لم يُلْحِقوه، ويشاركه الضَّرْبُ الأوّل في هذا الحكم لا في العلمية، إِلاَّ أنه يُنْقَل كما يُنقل العربيّ، وهذا الثاني هو المعتَدّ بعجمته في منع الصرف، بخلاف الأول، وذلك كإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وجميع الأنبياء إِلاَّ ما استُثْنِيَ منها من العربيّ كهودٍ وصالحٍ ومحمد صلّى الله عليه وسلّم، وغير الأنبياء كَبيروز وتكين ورُسْتم وهُرْمز، وكأسماء البلدان التي هي غير عربية، كإصْطَخر ومرْوُ وبَلْخ وسَمَرْقَنْد وقنْدهار وخُراسان وكِرْمان وكوركان وغير ذلك. فما كانَ من الضرب الأول فأشرف أحواله أن يُجري عليه حُكْمُ العربيّ فلا يُتَجاوزُ به حُكمُه. فقول السائل: يشتقُّ. جوابُه المنْعُ، لأنه لا يخلو أن يُشتقّ من لفظٍ عربيٍّ أو عجميّ مثله، ومحال أن يُشتَقَّ العجميّ من العربيّ أو العربيّ منه، لأن اللغات لا تُشتقّ الواحدة منها من الأخرى، مُواضَعةً كانت في الأصل أو إلهاماً، وإنما يشتق في اللغة الواحدة بعضها من بعض، لأن الاشتقاق نِتاجٌ وتَوليد، ومحال أن تَلِد المرأة إِلاَّ إنساناً، وقد قال أَبو بكر محمد بن السريّ في رسالته في الاشتقاق وهي أهم ما وضع في هذا الفنّ من علوم اللسان: ومن اشتق العجمي المعرّب من العربي كانَ كمن ادّعى أن الطير من الحوت. وقول السائل: ويشتق منه. فقد لَعَمْرِي يُجْرى على هذا الضرب المُجْرى مُجْرى العربي كثيرٌ من الأحكام الجارية على العربي، من تصرّف فيه، واشتقاق منه، ثمَّ أورد أمثلة كاللجام وأنه معرب من لغام، وقد جُمع على لُجُم ككُتب، وصُغِّر على لُجيم، وأتى للفعل منه بمصدر وهو الإلجام، وقد ألجمه فهو مُلْجَم وغير ذلك، ثمَّ قال: وجملة الجواب أن الأعجمية لا تشتق، أَي لا يحكم عليها أنها مشتقة، وإن اشتق من لفظها، فإذا وافق لفظٌ أعجميٌّ لفظاً عربيًّا في حروفه، فلا تَرَيَنَّ أحدَها مأخوذاً من الآخر كإسحاق ويعقوب، فليسا من لفظ أسحقه الله إسحاقاً، أَي أبعده، ولا من اليعْقوب اسم الطائر، وكذا سائر ما وقع في الأعجمي موافقاً لفظَ العربيّ، انتهى

وأما المولد

فهو ما أحدثه المولدون الذين لا يحتجّ بألفاظهم، والفرق بينه وبين المَصنوع أن المصنوع يوردُه صاحبه على أنه عربي فصيح، وهذا بخلافه، وفي مختصر العين للزُّبيدي أن المولد من الكلام: المُحْدَث، وفي ديوان الأدب للفارابي: يقال: هذه عربية، وهذه مولدة، كذا في المزهر، وستأتي أمثلته إن شاء الله تعالى.

المقصد السابع

في معرفة آداب اللغويّ

ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

 وفيه تنبيه، قال السيوطي في المزهر: أول ما يلزمه الإخلاص وتصحيح النيّة، ثمَّ التحري في الأخذ عن الثقات، مع الدأب والملازمة عليهما، وليكتب كلّ ما رآه ويسمعه، فذلك أضبَطُ له، وليرحل في طلب الغرائب والفوائد كما رحل الأئمة، وليعتنِ بِحفظ أشعار العرب، مع تفهّم ما فيها من المعاني واللطائف، فإن فيها حكماً ومواعظ وآداباً يستعان بها على تفسير القرآن والحديث، وإذا سمع من أحد شيئاً فلا بأس أن يتثبت فيه، وليترفق بمن يأخذ عنه ولا يكثر عليه ولا يطوّل بحيث يضجر، ثمَّ إنه إذا بلغ الرتبة المطلوبة صار يدعى الحافظ، ووظائفه في هذا العلم أربعة: أحدهما وهي العليا الإملاءُ، كما أن الحفاظ من أهل الحديث أعظم وظائفهم الإملاء، وقد أملَى حفَّاظ اللغة من المتقدمين الكثير، فأملى أَبو العباس ثعلب مجالس عديدة في مجلد ضخم، وأملى ابن دريد مجالس كثيرة رأيت منها مجلَّداً، وأملى أَبو محمد القاسم بن الأنباري وولده أَبو بكر ما لا يحصى، وأملى أَبو علي القالي خمس مجلدات وغيرهم، وطريقتهم في الإملاء كطريقة المحدّثين يكتب المستملي أول القائمة: مجلسٌ أملاه شيخنا فلان، بجامع كذا، في يوم كذا، ويذكر التاريخ، ثمَّ يورد المملي بإسناده كلاماً عن العرب والفصحاء، فيه غريب يحتاج إلى التفسير، ثمَّ يفسره، ويورد من أشعار العرب وغيرها بأسانيده، ومن الفوائد اللغوية بإسناد وغير إسناد، مما يختاره، وقد كانَ هذا في الصدر الأول فاشياً كثيراً، ثمَّ ماتت الحفّاظ، وانقطع إملاء اللغة من دهر مديد، واستمر إملاء الحديث. قال السيوطي: ولما شرعت في إملاء الحديث سنة 873 وجددته بعد انقطاعه عشرين سنة من سنة مات الحافظ أَبو الفضل بن حجر أردت أن أجدد إملاء اللغة وأحييه بعد دثوره فأمليت مجلساً واحداً، فلم أجد له حَمَلَةً ولا من يرغب فيه فتركته، وآخر من عَلمته أملَى على طريقة اللغويين أَبو القاسم الزجّاجي، له أمالي كثيرة في مجلدٍ ضخم، وكانت وفاته في سنة 339 ولم أقف على أمالي لأحد بعده. ومن آدابه: الإفتاء في اللغة، وليقصد التحرّي والإبانة والإفادة والوقوف عند ما يعلم، وليقل فيما لا يعلم: لا أعلم. ومن آدابه الرواية والتعليم، ومن آدابهما الإخلاص وأن يقصد بذلك نشر العلم وإحياءه والصدق في الرواية والتحري والنصح والاقتصار على القدر الذي تحمله طاقة المتعلم. ومن آداب اللغوي أن يمسك عن الرواية إذا كبر ونسي وخاف التخليط، ولا بأس بامتحان من قدم ليعرف محلّه في العلم، وينزل منزلته، لا لقصد تعجيزه وتنكيسه فإن ذلك حرام.
تنبيه قال أَبو الحسين أحمد بن فارس: تؤخذ اللغة اعتياداً، كالصبي العربيّ يَسمع أبويه وغيرهما، فهو يأخذ اللغة عنهم على ممر الأوقات، وتؤخذ تلقُّناً من ملقّن، وتؤخذ سماعاً من الرواة الثقات، وللمتحمل بهذه الطرق عند الأداء والرواية صيغ، أعلاها أن يقول: أملَى عليَّ فُلانٌ، ويلي ذلك: سمعت، ويلي ذلك أن يقول: حدثني فلان، وحدثنا إذا حدثه وهو مع غيره، ويلي ذلك أن يقول: قال لي فلان، وقال فلان، بدون لي، ويلي ذلك أن يقول: عن فلان، ومثله: إن فلاناً قال. ويقال في الشعر: أنشدنا، وأنشدني، على ما تقدم، وقد يستعمل فيه حدّثنا وسمعت ونحوهما.
وفي المزهر في باب معرفة طرق الأخذ والتحمل وهي ستة: أحدها السماع من لفظ الشيخ أو العربي. ثانيها القراءة على الشيخ ويقول عند الرواية قرأت على فلان. ثالثها السماع على الشيخ بقراءة غيره ويقول عند الرواية قرئ على فلان وأنا أسمع، وقد يستعمل في ذلك أيضاً أخبرنا قراءة عليه وأنا أسمع وأخبرني فيما قرئ عليه وأنا أسمع، ويستعمل في ذلك أيضاً حدثنا فيما قرئ عليه وأنا أسمع. رابعها الإجازة، وذلك في رواية الكتب والأشعار المدونة، قال ابن الأنباري: الصحيح جوازها. خامسها الكتابة، سادسها الوِجادة وأمثلتها في كتب اللغة كثيرة.

المقصد الثامن

وفيه أنواع

النوع الأول في بيان مراتب اللغويين وفيه نوعان:   

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 

الأوّل في بيانه أئمة اللغة من البصريِّين وبيان أسانيدهم ووفياتهم وكُناهم. نقل السيوطي في المزهر عن أبي الطيّب عبد الواحد بن علي اللغوي في كتابه مراتب النحويين ما حاصله: إن أول من رسم للناس النحو واللغة أَبو الأسود الدؤلي، وكان أخذ ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان من أعلم الناس بكلام العرب مات سنة 69 قال أَبو حاتم: تعلم منه ابنه عطاء بن أَبِي الأسود، ثمَّ أَبو سليمان يحيى بن يَعْمر العَدْواني، ثمَّ أَبو عبد الله مَيمون الأقرن، ثمَّ عَنبَسَة الفيل، قيل هو لقب أبيه. ثمَّ أخذ عن يحيى عبد الله بن أَبِي إسحاق الحضرميّ، وكان أعلم أهل البصرة بها، وكان في عصره أَبو عمرو بن العلاء المازني، اختلف في اسمه على أحد وعشرين قولاً، أصحها زبَّان بالزاي والباء المشددة موحدة، وقيل: اسمه كنيته، مات سنة 159 أخذ عن يحيى وميمون وغيرهما، وكان أعلم الناس بالعربية، أخذ عنه جماعةٌ، منهم أَبو عُمَر عيسى بن يوسف الثقفي، مات سنة 150، ويونس بن حبيب الضبّي، مات سنة 182 عن 72 سنة وأبو الخطاب عبد المجيد بن عبد الحميد الأخفش الكبير، فكان هؤلاء الثلاثة أعلم الناس وأفصحهم. وممن أخذ عن أَبِي عمرو أَبو جعفر محمد بن الحسن الرُّؤاسي عالم الكوفة، وهو أستاذ الكسائي، فأخذ عن عيسى بن عمر أَبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، مات في سنة 175 وكان أعلم الناس وأتقاهم، وعنه وعن أبي الخطاب ويونس الإمامُ أَبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري مات سنة 215 عن 93 وقيل غير ذلك، وأبو عبيدة مَعْمَر بن المُثَنَّى مات سنة 209 وأبو سعيد عبد الملك بن قُرَيْب الأصمعي ولد سنة 123 ومات سنة 212 وأخذ الثلاثة هؤلاء عن أَبِي عمرو بن العلاء أولاً، ثمَّ عمن ذُكر من تلاميذه، وأخذ الثلاثة أيضاً عن أَبِي مالك عمرو بن كِرْكِرَة النُّميري صاحب النوادر، وابن الدُّقَيْش الأعرابيّ، وأخذ الخليل أيضاً عن هؤلاء، وكان أَبو زيد أحفظَ الناس للغة بعد مالك، وعنه أخذ إمام النحو واللغة أَبو بشر عمرو بن عثمان بن قَنْبَر الملقب بِسيبويه، مات بشيراز سنة 180 عن 32 وقال ابن الجوزي: مات بساوَة سنة 194 وقيل غير ذلك، وإليه انتهى النحو. وأما أَبو عبيدة فإنه أول من صنّف الغريب، وكان أعلم الناس بأيام العرب وأخبارهم وعلومهم، كانَ يقول: ما التقى فرسانِ في جاهلية أو إسلام إِلاَّ عرفتهما وعرفت فارسَيهما. وأما الأصمعي فكان أتقن القوم باللغة، وأعلمهم بالشعر، وأحضرهم حِفظاً، وكان تعلم نقد الشعر من خَلف بن حيان الأحمر، وكان مولى أَبي بُرْدة بن أَبِي موسى الأشعري، مات سنة 180 في حدودها، وكان أخذ النحو عن عيسى بن عمر، واللغة عن أَبِي عمرو، وأخذ عن الخليل أيضاً حمّادُ بن سَلمة الراوية، وأبو الحسن النَّضْر بن شُميل، مات سنة 203 وأبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي، مات بخراسان سنة 202 عن 84 وأبو فَيْد المؤرِّخ بن عمرو السَّدوسي، مات سنة 195 وأبو الحسن علي بن النضر الجَهضَمي، وأخذ عن يونس بن حبيب ممن اختص به دون غيره أَبو علي محمد بن المستنير قطرب، مات سنة 202 وأخذ عنه أيضاً وعن خلف الأحمر محمد بن سلام الجمحي صاحب الطبقات، وأخذ عن سيبويه جماعة، منهم أَبو الحسن سعيد بن مَسْعَدة المُجاشعيّ الملقب بالأخفش، وكان غلام أبي شِمْر، وكان أَسنَّ من سيبويه ولكن لم يأخذ عن الخليل، مات سنة 210 وكان أخذ عن أَبي مالك النُّميريّ. وممَّن أَخذ عن أَبِي عبيدة وأبي زيد والأَصمَعِيّ والأَخفش: أَبو عبد الله التَّوّزي ويقال التَّوَجي، مات سنة 238 وأبو علي الحِرمازيّ وأبو عمر صالح بن إسحاق الجَرميّ، وهؤلاء أكبرُ أصحابهم، ومن دونهم في السن أَبو إسحاق إبراهيم الزِّيادي، وأبو عثمان بكر بن محمد المازني مات سنة 245، وأبو الفضل العباس بن الفرج الرِّياشي، قتله الزِّنج بالبصرة وهو يصلي الضحى في مسجده في سنة 257 وأبو حاتم سَهْل بن محمد السِّجستاني، مات سنة 250. ودون هذه الطبقة جماعة، منهم أبو نصر أحمد بن حاتم الباهليّ وعبد الرحمن ابن عبد الله بن قُرَيب الأصمعي، وهما ابنا أخي الأصمعي وقد رويا عنه. وأخذ عن المازني والجَرمي جماعةٌ، منهم أَبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، مات سنة 282 وعنه أخذ أَبو إسحاق الزّجاجي، وأبو بكر محمد بن السراج، ومحمد بن علي بن إسماعيل  

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 

الملقب بمَبْرَمان. واختص بالتوّجي أَبو عثمان سعيد بن هارون الأُشنانذاني. وبرع من أصحاب أبي حاتمٍ أَبو بكر محمد بن الحسن بن دُريد الأزدي، ولد سنة 223 ومات بعمان سنة 311 وإليه انتهى علم لغة البصريين، تصدر في العلم 60 سنة، وفي طبقته في السن والرواية أَبو عليّ عيسى بن ذَكوان. وكان أَبو محمد عبد الله بن مُسلم بن قُتيبة الدِّينوري أخذ عن أبي حاتم والرياشي وابن أخي الأصمعي ومات سنة 267 وقد أخذ ابن دريد عن هؤلاء كلهم وعن الأُشنانذاني. فهذا جمهور ما مضى عليه علماء البصرة.
الفرع الثاني في بيان أئمة اللغة من الكوفيين وبيان أسانيدهم وألقابهم ووفياتهم.
كانَ لهم بإزاء من ذُكِرَ، المفضَّل الضّبيّ، ثمَّ خالد بن كلثوم وحمّاد الراوية وقد أخذ عنه أهل المِصْرَيْنِ، وخلف الأحمر، وروى عنه الأصمعي شعراً كثيراً، وهو حمّاد بن هُرْمز الدّيلميّ، وقد تُكُلِّم فيه، ثمَّ أَبو يحيى محمد بن عبد الأعلى بن كُناسة، توفي بالكوفة سنة 207. وكان إمامهم غير مدافع أَبو الحسن علي بن حمزة الكِسائي، مات بالرّيّ سنة 189 جزم به أَبو الطيب، وقيل غير ذلك. ثمَّ أَبو زكريا يحيى بن زِياد الفرّاء، مات بطريق مكة سنة 207 أخذ عن الكسائي وعمن وَثِق بهم من الأعراب مثل ابن الجَرَّاح وابن مَرْوان وغيرهما، وأخذ عن يونس وعن أبي زيدٍ الكلابي. وممن أخذ عن الكسائي أَبو الحسن عليّ الأحمر وأبو الحسن عليّ بن حازم اللِّحيانيّ صاحب النوادر، وقد أخذ اللّحيانيّ عن أبي زيد وأبي عبيدة والأصمعي، إِلاَّ أن عُمدته الكسائي. ومن علمائهم في عصر الفَرَّاء أَبو محمد عبد الله بن سَعيد الأموي، أخذ عن الأعراب، وعن أبي زيد الكلابي، وأبي جعفر الرُّؤاسيّ ونبذاً عن الكسائي، وله كتاب النوادر. وفي طبقته أَبو الحسن عليّ بن المبارك الأخفش الكوفي، مات سنة 210 وأبو عكرمة الضبي صاحب كتاب الخيل، وأبو عدنان الراوية صاحب كتاب القِسّي، وقد روى عن أَبِي زيد. ومن أعلمهم باللغة وأكثرهم أخذاً عن الأعراب، أَبو عمرو إسحاق بن مُرار الشيبانيّ صاحب كتاب الجيم وكتاب النوادر، مات سنة 213 عن مائة وعشر سنين، روى عنه أَبو الحسن الطُّوسي، وأبو سعيد الحسن بن الحسين السُّكريّ، وأبو سعيد الضرير، وأبو نصر الباهلي، واللحيانيّ، وابن السكّيت. وأما أَبو عبد الله محمد بن زياد الأعرابيّ فإنه أخذ العلم عن المفضّل الضبي، وعن البصريين، وعن أبي زيد، وعن أَبِي زياد، وجماعةٍ من الأعراب، مثل الفُضَيل وعِكرمة، وُلِدَ لَيْلة وُلدَ الإمام أَبو حنيفة رضي الله عنه، ومات سنة 221. وأما أَبو عُبَيد القاسم بن سلام فقد رَوى عن الأصمعي وأبي عبيدة، ولم يسمع من أَبِي زيد شيئاً، مات سنة 223. واختص بعلم أَبِي زيدٍ من الرُّواة ابن نجدة، وبعلم أَبِي عبيدة أَبو الحسن الأثرم، وكان أَبو محمد سَلَمة بن عاصم راوية الفراء. وانتهى علم الكوفيين إلى أَبِي يوسف يعقوب بن إسحاق بن السكيت، مات سنة 244 وأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب ولد سنة 200 ومات سنة 291 أخذ الأوّل عن أَبِي عمرو والفرّاء، وكان يحكي عن الأصمعي وأبي عبيدة وأبي زيد من غير سماع، وقد أخذ عن ابن الأعرابي شيئاً كثيراً، والثاني اعتمادُه على ابن الأعرابي في اللغة، وعلى سلمة في النحو، وكان يروي عن ابن نَجْدة كُتُبَ أَبِي زيد، وعن الأثرم كتب أَبِي عبيدة، وعن أَبِي نصر كتب الأصمعي، وعن عمرو بن أَبِي عمرٍو كتب أبيه. وأما أَبو طالبٍ المفضل فأخذ عن أبيه سلمة، وعن يعقوب وعن ثعلب. فهذا جمهور ما مضى عليه أهل الكوفة.
النوع الثاني: في بيان أوّل من صنف في اللغة وهُلَّم جرًّا.
 

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 

قال السيوطي في المزهر أول من صنف في جمع اللغة الخليل بن أحمد، ألف كتابه العين المشهور. والذي حققه أَبو سعيد السيرافي أنه لم يكمل، وإنما كمله الليث بن نصر. وقال النووي في تحرير التنبيه: كتاب العين المنسوب إلى الخليل إنما هو جمع الليث عن الخليل. وقد ألف أَبو بكر الزُّبيدي كتاباً سماه مختصر العين، استدرك فيه الغلط الواقع في كتاب العين، وهو مجلد لطيف، وأبو طالب المفضل بن سلمة بن عاصم الكوفي من تلامذة ثعلب، ألف كتابه الاستدراك على العين، وهو متقدم الوفاة على الزبيدي، ثمَّ ألف الإمام أَبو غالب تمام بن غالب المعروف بابن التياني كتابه العظيم الذي سماه فتح العين، وأتى فيه بما في العين من صحيح اللغة دون الإخلال بشيء من الشواهد المختلفة، ثمَّ زاد فيه زيادات حسنة، ويقال إن أصح ما أُلف في اللغة على حروف المعجم كتاب البارع لأبي علي البغدادي، والموعب لأبي غالب ولكن لم يعرّج الناس على نسخهما، ولذا قلَّ وجودُهما، بل مالوا إلى الجمهرة الدُّريدية والمحكم وجامع ابن القزاز والصحاح والمجمل وأفعال ابن القوطية وأفعال ابن طريف. وكان أَبو العباس المبرد يرفع قدر كتاب العين للخليل ويرويه وكذا ابن درستويه، وقد ألف في الرد على المفضل بن سلمة فيما نسبه من الخلل إليه، ويكاد لا يوجد لأبي إسحاق الزجاج حكاية في اللغة العربية إِلاَّ منه. وروى أَبو علي الغساني كتاب العين عن الحافظ أَبِي عمر بن عبد البرّ، عن عبد الوارث بن سفيان، عن القاضي منذر بن سعيد. _ قلت؛ وهو صاحب النسخة المشهورة التي كتبها بالقَيْرَوان وعورِضت بنسخة شيخه بمكة _ عن أَبِي العباس أحمد ابن محمد بن ولاّد النحوي. _ قلت: وله كتاب المقصور والممدود، جليل الشأن، بدأ فيه من حرف الهمزة _ عن أبيه، عن أَبِي الحسن علي بن مهدي، عن ابن معاذ عبد الجبار بن يزيد، عن الليث بن المظفر بن نصر بن سيار، عن الخليل. ثمَّ قال: ومن مشاهير كتب اللغة التي صُنِّفت على منوال كتاب العين كتاب الجمهرة لأبي بكر بن دريد، قال بعضهم: أملاها بفارس ثمَّ بالبصرة وبغداد من حفظه، ولم يستعن عليها بالنظر في شيء من الكتب إِلاَّ في الهمزة واللفيف، ولذلك تختلف النسخ والنسخة المعوّل عليها هي الأخيرة، وآخر ما صح من النسخ نسخة عُبَيد الله بن أحمد، لأنه كتبها من عدة نسخ وقرأها عليه. قال السيوطي وظفرت بنسخة منها بخط أَبِي اليمن أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس الطرابلسي اللغوي، وقد قرأها على ابن خالويه بروايته لها عن ابن دريد، وكتب عليها حواشي من استدراك ابن خالويه على مواضع منها، ونبه على بعض أوهام وتصحيفات، وقال بعضهم: كانَ لأبي عليٍّ القالي نسخةٌ من الجمهرة بخطّ مؤلفها، وكان قد أُعطي بها ثلاثمائة مثقال، فأبى فاشتدت الحاجة فباعها بأربعين مثقالاً، وكتب عليها هذه الأبيات:


أَنِسْتُ بها عِشرينَ عامـاً وبِـعْـتُـهـا
وقد طالَ وَجْدي بَعْدَها وحَنـينـي
ومـا كـانَ ظـنِّـي أنـنـي سـأبـيعُـهـــا
ولو خَلَّدَتْني في السُّجونِ دُيوني
ولـكـن لـعـجْـز وافـتـقـارٍ وصِــبـــيةٍ
صِغـارٍ عـلـيهـم تَـسـتـهـلُّ شُـؤُنـي
فقُلتُ ولم أملـك سَـوابِـق عَـبْـرَتـي
مقـــالةَ مـــكـــويِّ الـــفـــؤادِ حَـــزينِ
وقد تُخرجُ الحـاجـاتُ يا أمَّ مـالـك
كَرائم مـــن ربٍّ بـــهـــنَّ ضَـــنــــينِ

 

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 

قال: فأرسلها الذي اشتراها، وأرسل معها أربعين ديناراً أخرى. قال السيوطي: وجدت هذه الحكاية مكتوبة بخط القاضي مجد الدين الفيروزابادي صاحب القاموس على ظهر نسخة من العُباب للصاغاني، ونقلها من خطه تلميذُه أبو حامد محمد بن الضياء الحنفي، ونقلها من خطّه، ثمَّ قال: وقد اختصر الجمهرةَ الصاحبُ إسماعيل ابن عبّاد في كتاب سماه الجوهرة. ثمَّ صنَّف أتباعُ الخليل وأتباع أتباعه وهلمّ جرًّا كتباً شتَّى في اللغة، ما بين مُطوَّل ومختصر وعامٍّ في أنواع اللغة، وخاصٍّ بنوع منها، كالأجناس للأصمعيّ، والنوادر واللغات للفرَّاء، والأجناس والنوادر واللغات لأبي زيد الأنصاري، والنوادر للكسائي وأبي عبيدة، والجيم والنوادر والغريب لأبي عمرو الشيباني، والغريب المصنَّف لأبي عبيد، والنوادر لابن الأعرابي، والبارع لأبي طالب المفضل بن سلمة، واليواقيت لأبي عمر الزاهد المطرّز غلام ثعلب، والمجرّد لكراع، والمقصد لابنه سُوَيد، والتذكرة لأبي عليّ الفارسي، والتهذيب للأزهري، والمجمل لابن فارس، وديوان الأدب للفارابي، والمحيط للصَّاحب بن عباد والجامع للقزّاز، وغيرها مما لا يُحصى. وأول من التزم الصحيح مقتصراً عليه الإمام أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهريّ، ولهذا سَمَّى كتابه بالصحاح وسيأتي ما يتعلق به وبكتابه عند ذكره. وقد ألف الإمام أَبو محمد عبد الله بن برّيٍّ الحواشيَ على الصحاح، وصل فيها إلى أثناء حرف الشين، فأكملها الشيخ عبد الله بن محمد البسطي. وألف الإمام رضي الدين الصغاني التكملة على الصحاح، ذكر فيها ما فاته من اللغة، وهي أكبر حجماً منه. وكان في عصر صاحب الصحاح أَبو الحسن أَحمد بن فارس، فالتزم أيضاً في مجمله الصحيح، قال في أوَّله: قد ذكرنا الواضح من كلام العرب والصحيح منه دون الوحشي المستنكر، وقال في آخره قد توخَّيت فيه الاختصار وآثرت فيه الإيجاز، واقتصرت على ما صحَّ عندي سماعاً، ولولا توخِّي ما لم أشكك فيه من كلام العرب لوجدت مقالاً. وأَعظم كتاب ألف في اللغة بعد عصر الصحاح كتاب المحكم والمحيط الأعظم لأبي الحسن علي بن سيده الأندلسي الضرير، توفي سنة 458. ثمَّ كتاب العُباب للإمام رضيّ الدين الصاغاني، وقد وصل فيه إلى بكم. قلت: ولسان العرب للإمام جمال الدين محمد بن جلال الدين مكرّم بن نجيب الدين أبي الحسن الأنصاري الخزرجيّ الإفريقيّ نزيل مصر، ولد في المحرم سنة 630 وسمع من ابن المقير وغيره، وروى عنه السبكي والذهبي وتوفي سنة 711 التزم فيه جمع الصحاح والتهذيب والنهاية، والمحكم، والجمهرة وأمالي ابن بري، وهو ثلاثون مجلداً، وهو مادة شَرحي هذا في غالب المواضع، وقد اطلعت منها على نسخة قديمة يقال إنها بخط المؤلف وعلى أول الجزء منها بخط سيدنا الإمام جلال الدين أَبِي الفضل السيوطي، نفعنا الله به، ذكر مولده ووفاته. ثمَّ كتاب القاموس للإمام مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي، شيخ شيوخنا، ولم يصل واحدٌ من هذه الثلاثة في كثرة التداول إلى ما وصل إليه صاحب الصحاح، ولا نقصت رُتبة الصحاح ولا شهرته بوجود هذه، وذلك لالتزامه ما صحَّ، فهو في كتب اللغة نظير صحيح البخاري في الحديث، وليس المدار في الاعتماد على كثرة الجمع، بل على شَرط الصحة. قلت: وقوله ولم يصل واحد من الثلاثة..إلخ، أَي هذا بالنسبة إلى زمانه، فأما الآن فإن القاموس بلغ في الاشتهار مبلغ اشتهار الشمس في رابعة النهار، وقصر عليه اعتماد المدرسين، وناط به قُصْوَى رَغبةِ المحدّثين، وكثرت نسخه حتَّى إني حين أعدت دَرْسه في زَبيد حرسها الله تعالى على سيّدنا الإمام الفقيه اللغوي رضي الدين عبد الخالق بن أَبِي بكر الزبيدي الحنفي متع الله بحياته، وحضرت العلماء والطلبة، فكان كل واحد منهم بيده نسخة. ثمَّ قال: ومع كثرة ما في القاموس من الجمع للنوادر والشوارد، فقد فاته أشياء ظفرت بها في أثناء مطالعتي لكتب اللغة حتَّى هممت أن أجمعها في جزء مُذيّلاً عليه. قلت: وقد يُسِّر هذا المقصد للفقير، فجمعت ما ظفرت من الزوائد عليه في مُسْوَدَّة لطيفة، سهل الله عليّ إتمامها وما ذلك على الله بعزيز.

المقصد التاسع

في ترجمة المؤلف

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

هو الإمام الشهير أَبو طاهر محمد بن يعقوب بن محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن عمر بن أَبِي بكر بن محمود ابن إدريس بن فضل الله بن الشيخ أَبِي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف قاضي القضاة مجد الدين الصِّدّيقي الفيروزابادي الشيرازي اللغوي، قال الحافظ ابن حجر: وكان يرفع نسبه إلى أَبِي بكر الصدّيق رضي الله عنه، ولم يكن مدفوعاً فيما قاله. ولد بكارِزين سنة 729 ونشأ بها، وحفظ القرآن وهو ابن سبع، وكان سريع الحِفظ بحيث إنه يقول: لا أنام حتَّى أحفظ مائتي سطر، وانتقل إلى شيراز وهو ابن ثمان سنين، وأخذ عن والده، وعن القوام عبد الله بن محمود وغيرهما من علماء شيراز، وانتقل إلى العراق، فدخل واسط وبغداد، وأخذ عن قاضيها ومدرس النظامية بها الشرف عبد الله ابن بكتاش، وجال في البلاد الشرقية والشاميّة، ودخل بلاد الروم والهند، ودخل مصر وأخذ عن علمائها، ولقي الجمَّاءَ الغَفير من أعيان الفضلاء، وأخذ عنهم شيئاً كثيراً بيّنه في فهرسته، وبرع في الفنون العلمية ولا سيما اللغة، فقد برَّز فيها وفاق الأقران، وجمع النظائر، واطلع على النوادر، وجوّد الخط، وتوسع في الحديث والتفسير، وخدمه السلطان أَبو يزيد بن السلطان مراد العثماني، وقرأ عليه، وأكسبه مالاً عريضاً، وجاهاً عظيماً، ثمَّ دخل زَبيد في رمضان سنة 796 فتلقاه الملك الأشرف إسماعيل، وبالغ في إكرامه، وصرف له ألف دينار، وأمر صاحب عدن أن يجهزه بألف دينار أخرى، وتولى قضاء اليمن كلّه، وقرأ عليه السلطان فمن دونه، واستمرّ بزبيد عشرين سنة، وقدم مكّة مراراً، وجاوَرَ بها، وأقام بالمدينة المنورة، وبالطائف وعمل بها مآثر حسنة، وما دخل بلدة إِلاَّ أكرمه أهلها ومتولّيها وبالغ في تعظيمه، مثل شاه منصور بن شاه شجاع في تبريز، والأشرف صاحب مصر، وأبي يزيد صاحب الروم، وابن إدريس في بغداد، وتيمورلنك وغيرهم، وقد كانَ تيمور مع عُتوّهِ يبالغ في تعظيمه، وأعطاه عند اجتماعه به مائة ألف درهم، هكذا نقله شيخنا، والذي رأيته في معجم الشيخ ابن حجر المكي أنه أعطاه خمسة آلاف دينار، ورام مَرّةً التوجُّهَ إلى مكة من اليمن، فكتب إلى السلطان يستأذنه ويُرغّبه في الإذن له بكتاب من فصوله _ وكان من عادَة الخُلفاءِ سلفاً وخلفاً أنهم كانوا يُبْرِدون البريدَ بقصْدِ تبليغِ سلامهم إلى حضرة سيّد المرسلين _ فاجعَلْني _ جَعلني الله فداك _ ذلك البريد، فإني لا أشتهي شيئاً سواه ولا أريد. فكتب إليه السلطان.
إن هذا شيءٌ لا ينطق به لساني، ولا يجري به قلبي، فبالله عليك إِلاَّ ما وَهَبْتَ لنا هذا العُمر، والله يا مجد الدين يميناً بارّة، إني أرى فِراقَ الدنيا ونعيمها ولا فراقك أنت اليمن وأهله.
وكان السلطان الأشرف قد تزوّج ابنته، وكانت رائعة في الجمال، فنال بذلك منه زيادة البِرّ والرِّفعة، بحيث إنه صنف له كتاباً وأهداه له على طباق، فملأها له دراهم.

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفسير الميزان| الطباطبائي| سورة الفاتحة

في ظلال القرآن | سيد قطب| المقدمة